على وقع هجوم واسع دفع روسيا للتخلي المفاجئ عن واحد من الخطوط الرئيسية لجبهة القتال، أعلن الجيش الأوكراني، أمس، استعادته مناطق يتجاوز مجموع مساحتها 3000 كيلومتر مربّع هذا الشهر، مشيراً إلى أن قواته رفعت العلم فوق تشاكالوفا بمقاطعة خاركيف بعد تحريرها وتتحرّك لاستعادة السيطرة على بلدات وقرى في محيط مدينة إيزيوم الاستراتيجية.

ويعد الانسحاب من مدينة إيزيوم أسوأ هزيمة للقوات الروسية منذ طردها من العاصمة كييف في مارس، وترك الآلاف من جنودها وراءهم ذخيرة ومعدات مع فرارهم.

Ad

وفي أكثر التحوّل الأكثر أهمية في القتال، الذي رجحت كفته لمصلحة موسكو على مدى شهور، أوضح القائد العام للجيش فاليري زالوجني أن القوات الأوكرانية تقدمت إلى الشمال من خاركيف في نطاق 50 كيلومتراً من الحدود مع روسيا، كما تتقدم أيضاً صوب الجنوب والشرق في ذات المنطقة، مشدداً على أن «أوكرانيا تواصل تحرير أراضٍ احتلتها روسيا».

وفي تعميم بشأن الوضع الميداني في ذكرى مرور 200 يوم على بدء الغزو الروسي، أفاد الجيش الأوكراني بأنه «دخل كوبيانسك ورفع العلم فوق تشاكالوفا»، مبيناً أن «تحرير المستوطنات جارٍ في منطقتي كوبيانسك وإيزيوم التابعتين لمنطقة خاركيف واستعاد 30 قرية وبلدة على الأقل فيها».

وأشاد الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالتقدم السريع في إقليم خاركيف شمال شرق باعتباره إنجازاً محتملاً في الحرب المستمرة منذ ستة أشهر، معتبراً أن هذا الشتاء قد يشهد المزيد من المكاسب السريعة للأراضي، إذا تمكن من الحصول على أسلحة أقوى.

وكان زيلينسكي نبه، أمس الأول، إلى أن روسيا تأمل «كسر» المقاومة الأوكرانية خلال فصل الشتاء معولة على مشاكل التدفئة وإمكان تراجع زخم الدعم الغربي لكييف بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا.

وقال زيلينسكي، إن «روسيا تبذل كل الجهود لكسر مقاومة أوكرانيا وأوروبا والعالم خلال الأيام التسعين لفصل الشتاء»، محذراً من أنها تعول على «وحشية» الشتاء لأن «وحشية الإنسان لم تعد تكفي».

وسبق أن عبر زيلينسكي من أن تستخدم روسيا ما أطلقت عليه صحيفة «بوليتيكو تكتيك» «جنرال الصقيع» لإجبار أوروبا على تقديم تنازلات مقابل الطاقة.

انسحابات وتعزيزات

وفي تأكيد لنجاعة الهجوم الأوكراني، أعلن الجيش الروسي في البداية أنه سيرسل تعزيزات إلى منطقة خاركيف، قبل أن يتراجع ويؤكد أنه سيسحب قواته إلى منطقة دونيتسك جنوباً.

وبعد وقت قصير من نشر القوات الخاصة الأوكرانية صوراً لعناصرها بالزي العسكري بحوزتهم أسلحة آلية في كوبيانسك، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أنه «من أجل تحقيق أهداف العملية العسكرية الخاصة لتحرير دونباس، اتُّخذ قرار بإعادة تجميع القوات المتمركزة في منطقتي بالاكليا وإيزيوم، لدعم الجهود على الجبهة في دونيتسك».

وذكر مسؤول روسي في منطقة جنوبية محاذية لأوكرانيا أن آلاف الأشخاص عبروا الحدود تزامناً مع إعلان كييف أنها أجبرت القوات الروسية على التراجع في شرق البلاد.

وقال حاكم منطقة بيلغورود فياشيسلاف غلادكوف في بيان مصوّر نشر على وسائل التواصل الاجتماعي «على مدى اليوم الماضي، عبر آلاف الأشخاص الحدود. توجّه معظمهم إلى أقارب في سياراتهم الخاصة. اليوم، يوجد 1342 شخصاً يتم إيواؤهم في 27 مركزاً موقتاً في المنطقة».

وفيما تحاول القوات الأوكرانية السيطرة على طريق دونيتسك وتطويق القاعدة العسكرية الروسية في إزيوم، اعتبر وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا، أن نجاح الهجوم المضاد يؤكد أن بوسع أوكرانيا هزيمة روسيا لكنها تحتاج إلى مزيد من الأسلحة من شركائها.

وقال كوليبا، في مؤتمر صحافي مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن بعض الحلفاء ترددوا في البدء في إرسال أسلحة لعدم إثارة عداوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والآن لم نعد نسمع هذا الجدل وأظهرنا أننا قادرون على هزيمة الجيش الروسي. إننا نفعل ذلك بالأسلحة التي أعطيت لنا».

35 صاروخاً

ووسط أنباء عن توجه مئات الجنود الأوكران لإسبانيا لتلقي تدريبات عسكرية على أسلحة أوروبية متطورة، قالت الإدارة الروسية لمنطقة كاخوفسكي بمقاطعة خيرسون، إن منظومة الدفاع الجوي تصدت خلال اليوم الماضي، لأكثر من 35 قذيفة صاروخية أطلقتها القوات الأوكرانية على منطقة نوفايا كاخوفكا.

في وقت سابق، قال رئيس إدارة المنطقة فلاديمير ليونتيوف، إن القوات الأوكرانية تشن بشكل دوري هجمات صاروخية على محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية والطرق والبنية التحتية المدنية.

إلى ذلك، أوقفت شركة «إنرغوأتوم» الأوكرانية أمس، عمل المفاعل السادس والأخير الذي كان لا يزال في الخدمة في محطة زابوريجيا النووية (جنوب)، التي تحتلها القوات الروسية.

وقالت الشركة المشغلة لأكبر محطة نووية في أوروبا: «اليوم في 11 سبتمبر 2022 خلال الليل في الساعة 3,41 (1,41 ت غ)، فصلت الوحدة رقم 6 عن الشبكة الكهربائي وتجري تحضيرات لتبريدها».

وأوضحت الشركة أن وقف عمل الوحدة على البارد يشكل «الوضع الأكثر أماناً» للمفاعل الذي كان لا يزال منذ ثلاثة أيام الوحيد الذي ينتج الكهرباء الضرورية لتبريد الوقود النووي ولسلامة الموقع.

واتُخذ قرار وقف المفاعل عندما استعاد الموقع الإمداد الخارجي بالتيار الكهربائي «الليلة الماضية» عبر أحد خطوط النقل. وحذّرت الشركة من أنه «في حال تضررت خطوط النقل التي تربط الموقع بنظام الكهرباء، وهو ما لا تزال مخاطره عالية، فإن الحاجات الداخلية (للموقع) ينبغي أن تؤمّن من خلال مولّدات تعمل بالديزل».

وكرّرت الشركة دعوتها لإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول المحطة، وهي الطريقة الوحيدة، بحسب قولها، لضمان سلامة المنشأة.

وعبّرت أوكرانيا وحلفاؤها عن مخاوف متزايدة بشأن سلامة محطة زابوريجيا. ويخيّم الارتباك منذ أسابيع حول موقع المحطة التي تعرّضت لضربات عديدة تتقاذف كييف وموسكو الاتهامات بالوقوف خلفها.

وتحدثت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الجمعة عن انقطاع كامل للمياه والكهرباء في مدينة إنرغودار الأوكرانية (جنوب)، حيث تقع محطة زابوريجيا، وهو وضع «يقوّض سلامة العمليات».

وقال المدير العام للوكالة رافاييل غروسي، في بيان، إن «الوضع غير مقبول على الإطلاق. ولا يمكن أن يستمر»، ووجّه نداء عاجلاً من أجل «وقف فوري للقصف» الذي يستهدف «المنطقة بكاملها».

من جهة أخرى، ندد رئيس الوزراء الأوكراني دنيس شميغال، أمس الأول بالموقف السلبي لصندوق النقد الدولي، مبدياً قلقه بشأن التأخيرات الحاصلة في مراجعة الصندوق لطلب المساعدة الذي قدمته كييف.

وقال شميغال، في منتدى يالطا للاستراتيجية الأوروبية في كييف، «نلاحظ موقفاً سلبياً من جانب صندوق النقد، خلافاً للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين يتصرفان بأسلوب قيادي».