يرى الكاتب والروائي وليد الرجيب أن الرواية هي ابنة المدينة المستقرة المنظمة، التي ترسخت فيها قيم الاستقرار المدني والحضري، فعندما بدأ تشكّل الرواية في الكويت ترافق ذلك مع بداية تشكّل المدينة المستقرة بكل تفاصيلها، وما تفرزه من نتاج مادي ومعنوي وقيم وسلوك، محكومة بالقوانين والنظم.

وقال الرجيب، في لقاء مع «الجريدة»، إن لديه كتابين أحدهما رواية، والثاني مسرحية مستوحاة من تراجيديا أوسكار وايلد عن سالومي، سيكونان في معرض الكتاب القادم، فضلاً عن انشغاله بروايتين أخريين… وإلى تفاصيل اللقاء:

Ad

• بعد هذه التجربة الطويلة التي قضيتها مع الكلمة في مجال القصة والرواية والكتابات الصحافية كيف ترى واقع الكتابة في ظل الإنترنت ومواقع التواصل؟

- الإبداع الأدبي أو أي نوع من الإبداعات الفنية والأدبية، لن يتأثر إطلاقاً بتقنيات الإنترنت أو بطرق التواصل، فهذه التقنيات أو الوسائل لن تصنع أديباً أو فناناً أفضل، وهي ليست رؤية حداثية، لكنّها أدوات تحديث مثل كل المنجزات العلمية الأخرى، كالتلفزيون أو السيارة أو آلات البناء والحفر، هي ليست اتجاها في الحداثة، بل هي أدوات تحديث، وهي لا تغيّر من واقع الأدب شيئاً، لكنّها تسهل التوصيل والتواصل وتسرعهما، أما الحداثة وهي مطلوبة لكل المجتمعات البشرية، فتعني رؤية جديدة للواقع لتجاوزه؛ سواء في الأدب أو الفن أو قوانين الدولة، والنظر للثقافة باعتبارها رافداً أساسياً وشريكاً عضوياً للتنمية الشاملة والمستدامة، والحداثة أيضاً ليست المعاصرة، ففي عصرنا هذا هناك عقول ما زالت تعيش في عصور ماضية. وسواء كان الكتاب الكبار أو الشباب، فسيظل نتاجهم مثلما كان أو أفضل بسبب الخبرة وتطوير الأدوات الفنية.

• في اعتقادك ما الذي تمثّله الرواية الآن للمجتمع، خصوصاً فيما يتعلق بإبداعات الشباب؟

- قلت منذ زمن طويل، إن الرواية هي ابنة المدينة المستقرة المنظمة، التي ترسخت فيها قيم الاستقرار المدني والحضري، فعندما بدأ تشكُّل الرواية في الكويت ترافق ذلك مع بداية تشكُّل المدينة المستقرة بكل تفاصيلها، وما تفرزه من نتاج مادي ومعنوي وقيم وسلوك، محكومة بالقوانين والنظم، أي ثقافة المجتمع في مكان ما وزمن ما، ونتاجات الشباب تعكس تجذُّر الإنسان الكويتي في قيم المدينة، على اختلاف مستوى التطور الحضاري والقيمي، وهو واقع متغيّر مع الحركة المستمرة، أما كثرة النتاجات الأدبية الشبابية، فهو لا يعني استمرارها بنفس الكمّ والزخم، فالواقع يذكي بعضها كي تستمر وتخلد ربما، وبعضها سيتساقط، لأنّ الحياة والواقع لم يذكياه ككل شيء في الحياة.

• ما الذي تدعو له كي تعود الحياة الثقافية إلى ما كنت عليه من تأثير؟

- كنت وما زلت أدعو إلى أن تهتم الحكومة بالثقافة بشكل جاد، وليست كمكمل لديكور الدولة المدنية، فللثقافة دور أساسي في التنمية بكل مجالاتها، وأنصح بقراءة كتاب عالم المعرفة المعنون «الثروة الإبداعية للأمم... هل تستطيع الفنون أن تدفع التنمية إلى الأمام؟»، الذي صدر في يوليو المنصرم، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. فالثقافة ليست كتاباً ومسرحاً وندوة ولوحة تشكيلية وموسيقى وأغنية فقط، هي في الواقع كل هذا، وهي شكل من صناعة الإنسان بثقافة وسلوك وقيم، مثل الحفاظ على البيئة أو قيم المرور، أو قيم العمل وغيرها الكثير بما يضمن تطوّر الإنسان، وبالتالي تطور المجتمع بما فيها الاقتصاد والتعليم والحضارة، كما يجب عودة الاعتبار والمكانة للمجلس الوطني للثقافة، ووضع المهتمين والمشتغلين بالثقافة على رأسه كقيادات ثقافية تعي دورها في هذا المرفق الحيوي والضروري.

• ما الذي استخلصته من تجربتك مع الكتابة الصحافية؟

- الكتابة الصحافية كتابات استهلاكية، رغم أني أكتب في كثير من الأحيان مقالات فكرية وثقافية، فتلك الأقرب إلى نفسي، بينما لا أفضّل المقالات السياسية إلا كنوع من التعبير عن وجهات نظر قد تحتمل الخطأ، فرغم محاولاتي لجعل المقالات توعوية، فإنني لم أفلح كثيراً، فالكتابات الصحافية متهافتة سريعة آنية انفعالية، إلا إذا كان الكاتب محترفاً في الكتابة الصحافية وأنا لست محترفاً.

• «طلقة في صدر الشمال»... مجموعة قصصية تمثّل رؤية متمردة، هل لك أن تحدثنا عنها؟

- هذه المجموعة أو بالأحرى المتتالية القصصية، كانت تسبب لي ألماً حقيقياً وأنا أكتبها، خاصة أن بعض أحداثها حقيقي، حدثت وعايشتها أثناء فترة وجودي بالكويت وقت الاحتلال العراقي لها عام 1990، فأنا كنت قبل الاحتلال إنساناً يختلف عن الآن، لم أكن أتصور أن هذا الوطن العزيز يتم انتهاكه بهذه الفظاعة والبربرية التي لا تليق به، هذه التجربة أثرت بي تأثيراً حاسماً، وذلك ما دفعني للانضمام إلى المقاومة المسلحة، وإصدار منشور «الوطنيون الأحرار» لـ 8 أعداد قبل التوقف القسري، ورغم استياء بعض النقاد العرب من هذه المتتالية، وخاصة بعض القوميين الذين يدافعون عن العروبة مهما بلغت من بشاعة أو شيفونية، فإنها خرجت إلى الوجود، بل طبعتها دار الفارابي مجاناً هدية الصمود، كما قال مديرها في ذلك الوقت.

• بصفتك قريباً من الواقع الأدبي الكويتي... هل هناك تطوّر يحدث فيه، أم أنه متوقّف؟

- كررت دائماً أن الثقافة وإبداعاتها لا تتوقف، فما نراه توقّفاً أو تراجعاً هو في الواقع المشهد السائد أو الثقافة السائدة الآن، سواء في الإعلام أو التعليم أو السلوك والأخلاق التي نعيشها في الشارع أو المجتمع الموازي، إنما الثقافة مستمرة مادام الواقع مستمراً ومتحركاً، لكن مع الأسف لا نراه بسبب سيادة الثقافة السائدة، مثلما يعرضه الإعلام العام والخاص، مثل السلوكيات التي نراها في الشارع أو المؤسسات العامة والحكومية، أو ما يحدث في المدارس ومعاهد التعليم العالي، وثقافات ما قبل الدولة، مثل العصبيات القبلية والطائفية والمناطقية، وهي التربة الصالحة للفساد وتردي وانهيار مؤسسات المجتمع، فلنسأل أنفسنا كيف تكون الثقافة تقدمية

في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، على عكس الثقافة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين؟

• نريد معرفة نشاطاتك المقبلة؟

- لديّ كتابان أحدهما رواية والثاني مسرحية مستوحاة من تراجيديا أوسكار وايلد عن سالومي، سيكونان في معرض الكتاب القادم، كما أعمل الآن على روايتين، كما أكتب بشكل غير منتظم لمجلة العربي، وخصوصاً المقالات الفكرية، التي تبحث في قضايا الثقافة والتنمية الفكرية.

فضة المعيلي