اللغة والإعلام... التأثر والتأثير
إذا جاز لنا السؤال عن العلاقة التي تربط بين اللغة ووسائل الإعلام لأمكن القول بوضوح إن هناك علاقة وثيقة بين الجانبين، إذ لا يمكن لوسائل الإعلام أن تصل إلى الجمهور المستهدف في أي مكان دون استخدام لغة واضحة مبسطة، كما لا يمكن للغة أن تنتشر وتعزز حضورها في المجتمع دون اللجوء إلى وسائل الإعلام.ومن المعروف أن وسائل الإعلام تلعب دوراً حيوياً في أي مجتمع من خلال وظائف تلك الوسائل، وأهمها نشر الثقافة السليمة وتعزيز الوعي والتوجيه والإرشاد، وإخبار الناس بما يحدث في محيطهم أو في العالم. وتلك الوسائل تستقي ما تنشره وتبثّه من عدد كبير من المصادر، وتنقلها بلغة إعلامية تتباين من وسيلة إلى أخرى إلى الجمهور الذي تخاطبه وتتوجه إليه لتحقيق الوظائف المشار إليها.
واللغة العربية ليست متفردة في هذا الشأن عن لغات العالم، إذ تجمعها أيضا تلك العلاقة الوثيقة مع وسائل الإعلام. لكن التساؤل المثار دائماً: هل أثرت وسائل الإعلام بصورة إيجابية في انتشار اللغة العربية، أم أسهمت في تعزيز اللهجات المحلية وانتشار العامية، بدلاً من الفصحى، وبالتالي كان لها تأثير سلبي كبير على اللغة؟ومن المميز أن وسائل الإعلام في المجتمعات العربية خطت - كما يقول بعض الباحثين - خطوات ناجحة في نقل لغة الكلام إلى ملايين الناس، مما عزز انتشار العربية في البيوت والشوارع والمدارس وسائر المؤسسات، وجعلها لغة حية متداولة في الحياة اليومية، ودفع باللغة إلى النهوض نهوضاً تمثّل في رقيّ الأساليب التعبيرية، وفي تعدّد فنون القول فيها، وفي إدخال مفردات مولدة عن طريق الاشتقاق والاقتباس، والتعريب، للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة. لكنّ الأمر لم يكن كذلك في جميع وسائل الإعلام، إذ لجأ بعضها إلى استخدام اللهجات المحلية بصورة مكثفة، وابتعد على الفصحى المبسطة بصورة كلية، وهو ما سيكون له تأثيرات كبيرة على الأجيال وعلى المجتمع أيضا. فقد يؤدي ذلك إلى اضمحلال اللغة العربية في ذلك المجتمع، وذوبانها على حساب اللغة المحلية، وربما نصل في يوم من الأيام - إذا استمرت الحال على الوتيرة نفسها - إلى سيادة اللهجات المحلية وغياب الفصحى تماماً، كما حدث مع بعض المجتمعات الأوروبية حين تخلّت عن اللاتينية ونشرت لهجاتها المحلية.وهذه الصورة الأخيرة تستدعي من الجهات المعنية عن اللغة العربية وكذلك عن وسائل الإعلام اتخاذ الإجراءات المناسبة لتبقى اللغة العربية هي اللغة الأولى في وسائل الإعلام، والمحافظة عليها قدر المستطاع، وسنّ القوانين والتشريعات التي تسهم في ذلك، لئلا نقع مستقبلا فيما لا تحمد عقباه.