نلمس كثيراً من التفاؤل بالحكومة الجديدة، برئاسة سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، خاصة بعد زياراته الميدانية للوزارات، وحث مسؤوليها على حل مشاكل الناس بعيداً عن مكاتبهم. ومع تقديرنا للنوايا الطيبة لرئيس الوزراء من خلال هذه الزيارات، إلا أنها غير كافية، ولن تحل مشاكل الناس، لأنها مرتبطة بشكل رئيسي بنظام بيروقراطي معقد أكثر مما هي مرتبطة بأشخاص، كما تدل طريقة تفكير بعض المسؤولين على أنهم يجنحون للعواطف في رسم السياسات أكثر من المنطق العلمي العقلاني في تحليل الأمور.أقول هذا بعد تداول معلومات عن تفكير الحكومة في رفع رسوم الخدمات الحكومية على المقيمين أكثر من المواطنين، بحجة معالجة عجز الموازنة، ورفع الإيرادات غير النفطية، فهناك عدة مشاكل في مثل هذه القرارات نلخصها بالتالي:
أولاً: معالجة عجز الموازنة لا يكون فقط بزيادة الإيرادات، ولكن أيضاً بتخفيض الإنفاق. وبند الرواتب يلتهم حوالي نصف ميزانية الدولة السنوية، وأغلبه يذهب لعشرات آلاف البطالة المقنعة الذين ليس لهم حاجة أصلاً في أجهزة الدولة، فبدلاً من أن تواجه الحكومة هذا الأمر بشجاعة، وتعمل على تخفيض حجم الحكومة ووظائفها، نجدها تريد تمويل رواتب هذه البطالة المقنعة من عرق جبين المقيمين المنتجين!ثانياً: المقيمون أصلا يعانون كثيرا من صعوبات الحياة، ويعيش أغلبهم في مناطق أصبح العيش فيها شيئا لا يطاق، مثل السالمية وحولي، بسبب تكدس العمارات، دون وجود مساحات خضراء أو مواقف كافية، لأن البنية التحتية لتلك المناطق ليست مؤهلة أصلاً لهذا العدد الكبير من السكان، كما يعانون التمييز والظلم في رواتب الوظائف الحكومية مقارنة بنظرائهم المواطنين، خاصة في وزارتَي التعليم والصحة، والآن تريد الدولة زيادة هذه الفروقات في المدخول عبر رفع رسوم الخدمات على المقيمين. مثل هذا التفكير الأعرج لا يأخذ في الحسبان أثر الظلم وغياب العدالة على جودة الحياة واستقرار المجتمع، ففي دراسة قيمة وضعت بكتاب اسمه «The Spirit Level» وجد الأكاديميان البريطانيان كيت بيكيت وريتشارد ويلكنسون أنه في الدول المتقدمة يكون مقدار التقدم أو التدهور في عدة مجالات، مثل التعليم والصحة العامة والصحة النفسية ونسبة الجريمة وتعاطي المخدرات والثقة بين الناس والحراك الاجتماعي، يعتمد على مقدار تحقق العدالة والمساواة في المجتمع، فكلما سادت العدالة والمساواة كان ترابط المجتمع أقوى، والصحة والتعليم متقدمين، والثقة بين الناس أكثر، ونسبة الجريمة وتعاطي المخدرات أقل، والعكس صحيح، ولذلك فإن رفع الرسوم على المقيمين سيؤدي إلى سلبيات عكسية تؤثر على المجتمع بشكل عام.ثالثاً: ولعلم المسؤولين، فإن المقيم أصلا يدفع ضريبة كبيرة، لكنها بدلاً من أن تذهب للدولة نجدها تذهب إما لتجار الإقامات أو لأصحاب الرخص التجارية عن طريق التضمين، فإذا أرادت الدولة تنويع الإيرادات، فالأولى إلغاء نظام الكفيل سيئ الذكر، والذي رأينا نتائجه الكارثية على البلد أثناء جائحة كورونا. فيجب الانتقال إلى نظام يلغي عبودية المقيم للكفيل، ويضمن حداً أدنى للأجور، وفتح الرخص التجارية دون شراكة مع مواطن، وحق تملّك السكن، ويجب أيضاً أن يعطى من ولد على هذه الأرض - وعاش فيها عدداً معيناً من السنوات - إقامة دائمة، لأنه استثمر حياته فيها وبات بصورة ما جزءاً منها، حينها فقط يحق للدولة فرض ضريبة معقولة على المقيم مقابل كل هذه الخدمات، أما زيادة الرسوم على المقيمين في ظل هذه الأوضاع المتردية، فهو ظلم بواح.فعلى الحكومة أن تعي أن مفتاح معالجة عجز الموازنة وتنويع الإيرادات يكمن في التخلص من تضخم الأجهزة الحكومية وتقليل أعداد موظفيها وتوجيههم للقطاع الخاص والعمل الحر، وهي طريقة حل مستدامة، أما محاولة تحميل ذلك على المقيمين فهي سياسة فاشلة بامتياز وغير إنسانية وتنقصها الحصافة، في الوقت الذي تتسابق دول الخليج على جذب الاستثمارات وتسهيل إقامة الأجانب فيها، لأنها تدرك أن ذلك إضافة للاقتصاد.
مقالات
وجهة نظر:لا لمعاقبة المقيمين
14-09-2022