شابت العمل البرلماني، في العقود الثلاثة الماضية، ممارسات خاطئة، بعضها يخالف الدستور واللائحة الداخلية، وبعضها كان في إطار مجاملة الأعضاء لبعضهم، رغم المخالفات التي يرتكبها بعضهم، وبعضها كان نتيجة ممارسات خاطئة وسوابق فاسدة، وبعضها تجسّد في تعديلات شوّهت اللائحة الداخلية وأربكت العمل البرلماني وعوّقته.ولعلّ الانتخابات البرلمانية الحالية، بعد خطاب صاحب السموّ الذي ألقاء سمو وليّ العهد، وما جاء فيه من توجهات إصلاحية شاملة، تكون مدخلاً لإصلاحات على مستوى السلطات كافة، أما ما يخص السلطة التشريعية، فإننا أمام حالة ملحّة لإصلاح بيت الأمة، وبوابة الإصلاح هي قانون انتخابات يقضي على العصبيات والفئوية التي انتشرت في البلاد، وسرت كالنار في الهشيم لتفتّ في مكونات المجتمع قبلياً أو طائفياً أو عائلياً أو مناطقياً، ولا تنطلق من برامج ولا من تصورات محددة لإصلاحات مقصودة، بل توجهات فردية لأمجاد خاصة، وهو ما جعل مجلس الأمة تتزايد فيه الممارسات السيئة، فنجد كل عضو فيه يقدّم عدداً كبيراً من مقترحات القوانين والأسئلة البرلمانية، والسؤال المهم، رغم التراكم العددي لمقترحات القوانين والأسئلة والمقترحات، ما الذي أُنجز منها؟ والحقيقة أنه لا شيء، بل مجرد سباق محموم لتقديم المقترحات، وليست هناك جدية بتبني عدد محدود منها وإنجازه.
ومن الممارسات الخاطئة تأجيل الاستجوابات لأجل غير مسمّى، فالاستجواب لا يجوز أن يؤجل لأكثر من أسبوعين، فإذا طلب الوزير تمديداً، يُمنح شهراً، أي أسبوعين آخرين بموافقة المجلس، ثم أي تمديد آخر يحتاج إلى موافقة المجلس، لكنّه ليس باباً مفتوحاً لتمديد مطلق كما شهدنا، فذلك يعني فقدان الاستجواب معناه وضياع الرقابة الشعبية.ومما يجب تصحيحه أيضاً «تعارض المصالح» المخزي للنواب، فهناك نواب أعضاء مجالس إدارات شركات، سواء بالتعيين أو بالانتخاب، وكلاهما في حالة تعارُض مصالح، إذ يجب عليه أن يقدّم استقالته فور نجاحه بعضوية مجلس الأمة، وإن جمع بينهما فهو يهدف إلى تحقيق مصالحه، مخالفاً بذلك قواعد السلوك البرلمانية، ومنها توجيه أسئلة أو اقترحات أو استجوابات لتنفيع فلان أو لمداراة فلان، أو للتكسب والابتزاز وطلب المال أو الخدمات. ويجب أن تُنشأ لجنة قيم بصفة عاجلة في أول اجتماع مجلس أمة، وكل عضو يقوم بمثل هذه الممارسة، يُحال إلى تلك اللجنة لاتخاذ إجراءات تأديبية بحقه.ومن الممارسات الخاطئة غياب أولويات مجلس الأمة، فأيّ موضوع يُثار بشكل جانبي يكون سبباً لأن تذهب جلسات المجلس ووقته في مهب الريح، لغياب موضوعات إصلاحات محددة، كالإسكان، والتوظيف، والتعليم والحالة المعيشية، والتي يجب أن تكون على رأس أولويات المجلس. ومن ذلك تحويل جلسات المجلس من أسبوعية إلى نصف شهرية، وهو الأمر الذي عطّل فاعلية جلسات المجلس لشهر وشهرين وثلاثة، حينما يؤجل رئيس المجلس جلساته أسبوعين أو بسبب الإجازات، ونشير إلى أن لائحة المجلس بشكل عام، فيها الكثير من العيوب التي كشفتها الممارسات، ولعلّ من أهمها أن تكون رئاسة المجلس بانتخابات علنية مع الحقّ بعزله، كما تكون انتخابات لجان المجلس دون مشاركة الحكومة. ومن ذلك السلطة التعسفية لرئيس المجلس، والتي يستطيع بموجبها حجب رأي الأقلية أو الأكثرية، رغم سلطاته المقيدة بالمادة 30، ومن ذلك التصويت بطريقة غير نظامية أو غير واضحة أو دون الإشارة إليها، وهذا الأمر أدى إلى التصديق على مضابط شابها الكثير من الخلل والعيوب. ومن ذلك وجود 15 سكرتيراً لعضو المجلس، وهي ممارسة فاسدة أيضاً، ومن السيئات الغياب عن جلسات المجلس وعن لجانه من الأعضاء، دون وجود إجراء حاسم لمواجهته، والمحزن اعتبار مجرد الاعتذار عذراً مقبولاً.إذاً، فإننا أمام استحقاق مهم وتاريخي لإصلاح بيت الأمة من تلك المظاهر السيئة والمسيئة للممارسة البرلمانية، والتي ستصحّح مسار المشهد السياسي.
أخر كلام
إصلاح بيت الأمة... والممارسات الخاطئة
14-09-2022