علموا أبناءكم
ها نحن على مشارف بداية عام دراسي جديد، بأصدقاء ومعلمات وفصول جديدة للكثير من الأبناء. يقول هيثم دبور: «المدرسة هي المكان الوحيد الذي تسبقه لافتة تحذيرية احذر مدرسة». هو لم يكن يقصد أنها لتنبيه السيارات المارة بأنها منطقة تستدعي تخفيف السرعة، إنما هو يعلم جيداً أن المدرسة هي فعلا المكان الوحيد الذي يلتقط فيه الطلاب أخطر أنواع العقد النفسية، ويعرف أنه الحيز الخطير الذي يلي خطورة أن يكون للطفل أبوان غير صالحين، والمدرسة هي البيئة التي تلي الأهل والتربية، لذلك خطورتها تمتد عمراً بأكمله إذا ما حظي بأصدقاء ومواقف صادقة. كلنا لا بد أن المدرسة أثرّت فينا على نحوٍ ما، فما زلت أتذكر شخصياً كيف كانوا يتجنبون اللعب معي إيماناً منهم بأنني «غير كويتية» لمجرد أنني أحمل بشرة بيضاء وشعراً فاتحاً! ولا أنسى كيف كان هدوئي وطيبتي الزائدة سبباً يدفعهم لوكزي عمداً أو أخذ أغراضي ومن ثم الضحك علي، وما زلتُ أذكر دلال التي سألتني دون سابق سلام: أنتِ بدوية أم حضرية؟ ولم أكن حينها أفهم السؤال، ظننتها تسأل عن اسمي فأجبتها، لا اسمي تهاني، ثم صرخت بمن حولنا لتخبرهم أنني «غبية»!
لم أكن حقاً أعرف الجواب، لأننا لم ننشأ على ذلك بتاتاً، ولا أنسى كيف كانوا يهمسون خلفي «باليتيمة» عند كل تكريم أو اجتماع أولياء الأمور، كلما تعذر حضور أهلي لانشغالهم، ولا أنسى كيف كانوا يلقبون «لطيفة» الجميلة بالخادمة لأنها كانت من أم آسيوية! والكثير من المواقف التي أستذكرها كلما قصّت عليّ ابنتي قصصاً مشابهة لها. لم يتغير شيء فالتنمر ذاته والقصص نفسها، وأولئك الذين سموا جيلنا «جيل الطيبين» لم يدركوا أن الطيبة والأخلاق ليستا مرتبطتين بالجيل، إنما بالتربية، فأرجوكم أحسنوا تربية أولادكم! وكفوا عن النميمة على من تكرهون في التجمعات العائلية، لأن لأبنائكم آذاناً تسمع! وعلموهم الإنسانية، وأحسنوا معاملة العاملات في المنزل وأي شخص آخر، وكفوا عن تعليم أبنائكم سُبل المظاهر والتظاهر، وعلموهم أن الجمال يكمن في البساطة والتواضع! وكفوا عن نعت الأشخاص بصفات وأسماء غير مؤدبة، وعلموهم الاحترام وأن الاختلاف تميز، وتوقفوا عن حشو عقولهم بأن السفر ضرورة، والتبضع هواية، وعلموهم أن القراءة مهمة والرياضة مفيدة، وكفوا عن الحديث عن الأصل والفصل والعوائل والأسماء، علموهم أننا كلنا أبناء آدم وحواء، وأن الأخلاق وحدها هويتنا.وتوقفوا عن التكبر والتجبّر لأنهم مرآتكم الوحيدة التي ستفضح أفكاركم وعنصريتكم وأخلاقكم مع الناس، ولن نلوم الأطفال أبداً إنما نلوم أهاليهم وبيوتهم، فأرجوكم ساهموا في الحد من التنمر والعنصرية، فعقد الأطفال في المدارس أنتم أحد أسبابها دون أن تعلموا.