الضرب في الميت حرام
الضرب في الميت حرام، والصراخ بأصوات الغضب المتشنجة ضد «وثيقة القيم من إكليروس بني نفط للقرن الواحد والعشرين» التي تعارض الدستور والحريات وغير ذلك من كلام مصفف مأخوذة زبدته في بعض الجرائد و»تويتر» و»فيسبوك» لا جدوى منه في النهاية.من جديد، لنكرر حكمة أن «الضرب في الميت حرام»، والميت اليوم هو ثقافة الرفض والعصيان ضد الطغيان السُّلطوي، سواء كان هذا وليداً من سُلطة الحكم، أو نتيجة قوى سدنة العادات والتقاليد والثوابت المفروضة على الحداثة والتقدم وحكم العقلانية.لِمَ سكب دموع الأسى على ديموقراطية لم توجد بداية، أو وُلدت وأجهضت، ليس بسبب عصي مشايخ محاكم التفتيش الكويتية، بل لوسطية نيابية مترددة مغيبة لم تكن تقرأ غد الدولة، ولم تكن مستوعبة لأبعاد الحرية، وحكومة وحكومات بعدها لم تكن تكترث يوماً للدستور وحرياته غير المفهومة لأغلبية شعب مع حمد قلم؟
وثيقة القيم التي تحارب حرية اللباس والتاتو وتصادر كل معاني الحريات الشخصية (المدنية)، والتي طرحها مهرجون سياسيون، وبصم عليها نيابيون سابقون، وهم مرشحون حاليون، وباركها مشايخ دين وجدوا فيها صكوك غفران ومفاتيح مباركة لنواب يتمسكون بجلابيبهم لدخول جنة فردوس المجلس ليست جديدة.لعلكم تجدون جذورها في صمت التقدميين بأول مجلس نيابي عام 1963 حين دس بذرتها الإسلاميون، ذلك الوقت، بحشر المادة 206 (منع الخمور) في قانون الجزاء، واعترض عليها فقط النائب المرحوم سليمان المطوع، الذي رأى بهذا التجريم تدخلاً من المشرِّع بالحريات الشخصية، وهو فاتحة هدم لأسس النظام الدستوري في قضية الحريات. وتكررت حالة مشابهة في بداية الثمانينيات، بتحريم منح الجنسية لغير المسلم (عدا اعتراض النائب المرحوم جاسم الصقر بالبداية)، وأصبح الدين بعد ذلك معياراً للهوية الوطنية.وثيقة القيم لبطاركة محاكم التفتيش الكويتية، والتي ستهلل لها الأغلبية في دولة «ثوابتنا وقيمنا المحافظة»، هي نتيجة حتمية لتفاهة جماعات ليبرالية غير أصيلة في مواقفها من مبادئ حقوق الإنسان والفساد السياسي، فهي لم تنبس بكلمة واحدة حين تم سحب الجناسي عن مواطنين، أو تمت ملاحقة مغردين بقضايا رأي، ولم تكترث تلك الليبرالية المشوهة لمصيبة البشر البدون، ولم يكن من شأنها الملاحقات السياسية التي ألبست قفازات القانون لنواب رفعوا من سقف النقد السياسي، مثل مسلم البراك، أو قاموا بفضح قضايا الفساد في صالة المجلس، كفيصل مسلم. أي وثيقة تتكلمون عنها اليوم، بعد أن ضاعت وثيقتكم الدستورية منذ زمن طويل؟!