أصدرت الجمعية الاقتصادية الكويتية بيانا حول أهمية العمل بسياسة سقوف الإنفاق في الموازنة العامة للدولة.وقالت الجمعية في البيان: «تشهد المرحلة الحالية العديد من المعالم، والمؤشرات، الجادّة لإصلاح مسيرة الأداء الاقتصادي بدولة الكويت، سواء على الصعيد المؤسسي، أو الإداري، أو برامج وخطط الإصلاح الاقتصادي، وما تتضمنه من مختلف السياسات، وذلك بهدف تعظيم مكاسب تحسّن السوق النفطي، في الآونة الأخيرة، والأهم استغلال كل الفرص المتاحة محليا، وإقليميا، ودوليا، لتحصين الاقتصاد الكويتي ضد الصدمات الاقتصادية الخارجية، أو تحييد آثارها السلبية قدر الإمكان، خدمة لخلق اقتصاد متنوع ومستدام. وتتسق هذه المعالم والمؤشرات مع آراء وتوجهات الجمعية الاقتصادية الكويتية، والتي أشارت اليها، ولا تزال، في مختلف بياناتها، وحلقات نقاشها، وندواتها، وغيرها من الأنشطة، إلى أهمية الإصلاح الاقتصادي بمعناه الشامل».
وأضافت أن «من ضمن المعالم، والمؤشرات الجادة التي خوّل بها مجلس الوزراء الموقر، وزير المالية وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، والمرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، هي تلك المرتبطة بإصلاح السياسة المالية، وبشكل محدد، من خلال أحد أهم أدوات هذه السياسة، وهي وضع «سقوف على الإنفاق العام» غير المبرر اقتصادياً».وتابعت: «وكما هو معروف، فإن أحد التحديات الرئيسية في مجال الإصلاح الاقتصادي هي تلك المرتبطة بأداء الموازنة العامة للدولة، ومدى التزامها بتحقيق هدف استدامة المالية العامة مع الحرص والتأكيد على أن إصلاح المالية العامة يعتمد، تأثيرا وتأثيرا، على أداء وإصلاح الاقتصاد الكلي بوحداته القطاعية المختلفة، ويعتمد أيضاً على مدى تعاون مختلف الجهات الحكومية من وزارات وهيئات عامة وجهات مستقلة وملحقة، في الالتزام بالسقوف على الإنفاق، وفق الضوابط التي تتخذ في هذا الشأن».
برنامج آلإصلاح
وذكرت أنه «من المهم أيضا، في مجال سياسة السقوف على الإنفاق الجاري بشكل أساسي، ألا تكون نسبة ضغط الإنفاق الحكومي واحدة على مختلف الوزارات والهيئات العامة، وعلى مختلف بنود الموازنة. فهناك عدد من الوزارات والهيئات العامة التي يرتبط إنفاقها بشكل مباشر ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، مثل وزارتي التربية والتعليم العالي، كتلك الإنفاقات المرتبطة بالبحث والتطوير، والمختبرات، وأساليب التعليم الحديثة. كما لا ينصح أن تشمل سقوف الانفاق البنود المرتبطة بالإنفاق الرأسمالي القائم على مشروعات استثمارية ذات جدوى اقتصادية، في مجال التنويع والاستدامة، لارتباط هذا الإنفاق بتعزيز النمو الاقتصادي». وقالت «إن تخويل وزير المالية باتخاذ ما يراه مناسبا، ضمن الإطار المؤسسي الداعم للإصلاح، في مجال تفعيل سياسة السقوف على الإنفاق هو توجه سليم، ولا تملك الجمعية إلا مباركته وتأييده لاتساقه كما أشرنا مع توجهات الجمعية، علما بأن سياسة السقوف هي جزء من سياسات «القواعد المالية Fiscal Rules» المستخدمة لوضع قيود على قيم بنود الموازنة العامة للدولة. وهناك أربعة أنواع متعارف عليها من القواعد المالية، وهي: المرتبطة برصيد الموازنة، وبالدين العام، وبالإنفاق العام، وبالإيرادات العامة. وأن ما يهمنا في هذا البيان هي القواعد المالية المرتبطة بالإنفاق العام، على شكل سقوف عليا على هذا الإنفاق، وبشكل خاص الجاري».وأشارت إلى أنه «لا بدّ من الإشارة في هذا المجال، إلى أن نسبة الإنفاق العام (الجاري + الرأسمالي) إلى الناتج المحلي الإجمالي بدولة الكويت (44.1 بالمئة)، حسب آخر الإحصاءات المعلنة من الإدارة المركزية للإحصاء، لعام 2019، بالأسعار الثابتة (لا تتوافر بيانات محاسبية قومية، على موقع الإدارة العامة للإحصاء، عن الاستهلاك العام، الجاري زائداً الرأسمالي بعد عام 2019، كأحد مكونات الناتج المحلي الإجمالي بطريقة الإنفاق). وهي الأعلى ضمن بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبعبارة أخرى، فإن «حجم» الحكومة «الاقتصادي» متضخم جدا، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة النظر بهذا الحجم من خلال القواعد المالية وما تتضمنه من سقوف، ومن ضمن سياسات أخرى، أيضا». ولفتت إلى أنه «وفقا لآخر حساب ختامي منشور للموازنة العامة للدولة 2020/ 2021، فإن سقف الإنفاق الجاري كنسبة من إجمالي الإنفاق تجاوز (91 بالمئة)، تاركاً للإنفاق الرأسمالي (أحد محفزات النمو الاقتصادي المباشرة) النسبة الباقية (حوالي 9 بالمئة). كما أن حصة الأجور العامة من الإنفاق الجاري، لنفس العام، تمثّل نحو (38 بالمئة)، وحوالي (47 بالمئة) للتحويلات، ومتضمنة الدعم، وما شابهها، مع نمو مستمر للأجور، والتحويلات، ماعدا في سنوات نادرة، مع نمو للإنفاق العام لا يتسق مع النمو المناظر للإيرادات العامة (إلا في السنوات المالية المرتبطة بارتفاع الإيرادات النفطية)».تأثير محدود
وقالت: «وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن تأثير الإنفاق الجاري على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي، هو تأثير محدود (من خلال انخفاض ما يسمى اقتصادياً «المضاعف المالي» لهذا النوع من الإنفاق، أي تأثير تغيّر مختلف أنواع الإنفاق على تغير الناتج المحلي الإجمالي)، لذا فإن العمل على وضع سقوف على الإنفاق الجاري، هو أمر سوف يسهم، إضافة إلى تحجيم العجز المالي أو تضخيم الفائض، في تحرير موارد مالية للإنفاق الرأسمالي، المحدد الرئيسي للنمو (شريطة توفر الجدوى الاقتصادية لمشروعات الإنفاق الرأسمالي، كما أسلفنا)». وأضافت«إن سياسة السقوف على الانفاق، كأحد أدوات السياسة المالية، يمكن أن تستهدف العديد من أشكال الهدر في الموازنة العامة للدولة؛ فعلى سبيل المثال، لا الحصر: هناك:أولا: الهدر الصريح، فبالاعتماد على الحساب الختامي 2020/ 2021، هناك حوالي 440 مليون دينار لتغطية نفقات علاج بالخارج، علماً بأن التوجهات الحالية قد استهدفت الحد من هذا الإنفاق. إضافة إلى وجود بند «الخدمات المتنوعة» بحوالي 358 مليون دينار، و»أنشطة مختلفة»، بحوالي 135 مليون دينار، وهي مصروفات تحتاج الى مزيد من التوصيف، بهدف إخضاعها لسقوف الإنفاق. ثانيا: في ظل توافر خدمات صحية للمواطنين، فإن بعض أنواع التأمين الصحي، التي يقدر الإنفاق عليه بحوالي 114 مليون دينار، يمكن أن تخضع للسقوف من دون التأثير على المستفيدين من حيث نوعية الخدمات الصحية.ثالثا: يمثل دعم الطاقة بنداً محوريا للسقوف على الإنفاق، ففي الوقت الذي وصل به الدعم الفعلي، في الحساب الختامي 2020/ 2021، إلى حوالي 3.7 مليارات دينار، وصلت حصة الدعم الموجه للطاقة حوالي (45.5 بالمئة). وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هناك العديد من غير المستحقين لهذا الدعم، سواء لارتفاع دخولهم أو للهدر في استخدام الطاقة، فإن هناك متسعا لوضع سقف إنفاق، في هذا المجال، يترتب عليه استمرار الدعم لمستحقيه، وترشيده لغير المستحقين. رابعا: تدعم الدولة القطاع الخاص، من خلال مخصصات «دعم العمالة»، والتي تقارب نصف مليار دينار بالسنة حالياً (بدء العمل بدعم العمالة منذ عام 2001). ولغرض تخفيف العبء عن بند «تعويضات العاملين» بالموازنة العامة للدولة، فإن هناك حاجة إلى جهد إضافي لتعزيز الاستفادة من مخصصات دعم العمالة، من خلال تعظيم دور القطاع الخاص في استيعاب العمالة الوطنية (التي تقع في حدود 70 ألف مواطن حاليا). خامسا: يمثّل بند التحويلات، في الحساب الختامي المذكور، شاملا الدعم، حوالي (47 بالمئة) من الإنفاق الجاري، كما أشرنا أعلاه. وتحتاج بنود التحويلات الى تقييم اقتصادي، ينتج عنه الاستمرار بتلك البنود ذات التأثير الاقتصادي/ الاجتماعي، ووضع سقوف على البنود الأخرى التي تفتقد هذا التأثير». وختمت البيان: «وكما عبّرت الجمعية الاقتصادية الكويتية في العديد من المجالات، فإن إصلاح المالية العامة للدولة، كجزء من إصلاح اقتصادي شامل، لا يعتمد فقط على جانب الإنفاق، وأهمية كبح تلك البنود التي لا تخدم أهداف الإصلاح من خلال السقوف على الإنفاق، بل يعتمد، أيضا، على إصلاح جانب الإيرادات العامة، الضريبية (على أرباح الشركات)، وغير الضريبية، وبالشكل الذي يترتب عليه أهمية خلق قطاع خاص تنافسي (محلي وأجنبي)، يحرص على توسيع فرص العمالة للمواطنين، ويسهم في الصادرات غير النفطية، ويموّل الموازنة العامة الدولة بضرائب على أرباح الشركات، على أن يتم ذلك، وغيره من المتطلبات، ضمن إدارة اقتصادية كلية واضحة الرؤية، والأولويات القطاعية، والأهداف، والسياسات، والمدعّمة اقتصادياً، واجتماعياً، وتشريعياً، وسياسياً، والتي تدار بأرقى الكفاءات المهنية المتخصصة».