«كنت أحلم بتغيير العالم، ولم أكن أعرف مدى صعوبة ذلك»، تبكي الفتاة الصغيرة، ثم تهمس بكلمات تكشف حلمها بالنجاح التدريجي والوصول للقمة، كما حدث مع ستيف جوبر مؤسس شركة «آبل»، وتضيف قائلة «لقد فعلت كل شيء بشكل صحيح، لقد اتبعت جميع الخطوات، كانت خطواتي سريعة للغاية».

هكذا أخبرت إليزابيث هولمز الجميع أثناء محاكمتها التي شغلت الرأي العام الأميركي والعالمي، بعد أن أدينت بالاحتيال على المستثمرين في محاكمة تاريخية استمرت أشهرا في كاليفورنيا.

Ad

صعود سريع

قصة إليزابيث هولمز مؤسسة شركة ثيرانوس شغلت الصحافة لشهور، وتحولت إلى مسلسل قصير حمل عنوان «التسرب» (The Dropout)، يعرض على منصة هولو.

هولمز -التي تلعب دورها أماندا سيفريد- غادرت الجامعة أسوة بستيف جوبز، وأسست شركة متخصصة في اختبارات الدم، بدعوى إحداث ثورة في عالم الاختبارات المعملية.

ويعدّ المسلسل تصويراً مذهلاً لقصة الاحتيال الأميركية، ويساعد المشاهدين على تصور التجارب المبكرة التي دعمت خداع هولمز وأكاذيبها.

كثير من شخصيات المسلسل أشخاص حقيقيون كان لهم دور في القصة الأصلية على أرض الواقع، والتي أدت في النهاية إلى إدانة هولمز في وقت سابق من هذا العام بتهم متعددة، منها تضليل المستثمرين والمرضى بشأن دقة تكنولوجيا فحص الدم التي تعمل عليها.

وأسهم تمثيل سيفريد المتقن لشخصية هولمز في ترشحها لجائزة إيمي لأفضل ممثلة في مسلسل قصير.

القفز على المراحل

على المستوى الفني، لم يحتج القائمون على المسلسل إلى كثير من الخيال لصناعة الأحداث، بل اكتفوا برواية قصة هولمز الواقعية، وخاصة قصة حبها لهندي يكبرها بسنوات، ودور والديها اللذين كانا من أسباب هوسها بالنجاح الساحق وإثبات الذات المتضخمة.

وقليلاً ما استخدم المسلسل العنصر الموسيقي عاملاً مساعداً، ربما خشية الوقوع في فخ التعاطف الكبير، بل فقط ركز على القصة التي بدأت بشكل مفاجئ ثم سرعان ما تلاشت، وربما كان ما يعيبها فقط هو البطء الشديد في حركة الأحداث داخل الحلقات الثماني.

فقد تقدمت القصة بعد عرضها بإحكام في الحلقة الأولى، لكن مشاهد كثيرة في الوسط كان يمكن الاستغناء عنها لأنها لا تقدّم الأحداث أو الشخصيات بقدر ما تحاول إثبات مدى القوة التي تحصل عليها هولمز يوماً بعد الآخر بتزييف قناعات جميع من حولها.

اختارت هولمز القفز على المراحل التي كان عليها أن تعيشها ببطء، فقد اختارت حبيباً يكبرها بسنوات عديدة، والعمل منذ السنة الأولى في الجامعة على مشروع طبي يحتاج إلى مجهود سنوات، وتجاوز حلم الغنى الطبيعي إلى حلم الثراء الفاحش الذي تسعى للوصول إليه مهما كانت النتائج.

بودكاست

في النهاية، لدينا قصة درامية جداً، كان ضحيتها 700 مليون دولار من أموال المستثمرين ضاعت تماماً، كما فقد 800 شخص عملهم إثر الكشف عن شركة قدمت نتائج غير دقيقة شملت نتائج إيجابية مزيفة لمرضى نقص المناعة المكتسبة، ونتائج مزيفة للسرطان، ومؤشرات مزيفة للإجهاض، تنتظر من أجلها أصغر مليارديرة بالأمس حكماً بالسجن قد يصل إلى 20 عاماً.

وربما تعتبر هذه من المرات القليلة التي يعتمد فيها عمل فني بصري (مسلسل/فيلم) على بودكاست، إذ استند منتجوه على بودكاست «إيه بي سي نيوز» (ABC News) الذي يحمل نفس الاسم وتقدمه ريبيكا جارفيس.

في البداية، وصفت هولمز اختراعها بأنه أحدث «ثورة في تشخيص الأمراض، وسيساعد الناس»، وقالت إنها «أصغر مليارديرة عصامية في العالم»، و«خليفة ستيف جوبز»، كما وصفتها مجلة أعمال وضعت صورتها على غلافها.

وتوالت الاستثمارات في الشركة التي أسستها وبلغت قيمتها 9 مليارات دولار بسمعة طيبة تماماً يباركها رواد الأعمال والسياسيون لمزاعم بدأت تتبدد عام 2015، بعد أن أفاد تحقيق أجرته صحيفة وول ستريت جورنال بأن تقنية فحص الدم الأساسية لديها لم تنجح.

حتى الآن لم يتم احتجاز هولمز ولم يتم تأكيد موعد النطق بالحكم عليها، بعدما واجهت مؤسسة ثيرانوس 11 تهمة في المجموع، ووجدت المحكمة أنها غير مذنبة في 4 تهم منها تتعلق بالاحتيال.

قصة صنعت في كاليفورنيا، عاشت خلالها شركة تكشف ثقافة الجشع والرغبة والثراء السريع، إلى جانب الخوف من تفويت الاستثمار في الشركة الكبرى التي كانت تأمل في رؤية الدولار الواحد يتحول إلى عشرات أو مئات الأضعاف دون مقدمات وبشكل ساحر.