اتضح من المواقف التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن أكثر ما يخشاه الحزب في هذه المرحلة هو الدخول في فوضى سياسية، دستورية، اجتماعية على وقع الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان. يعبّر نصرالله بوضوح عن خشيته من أي تطورات قد تؤدي إلى انفلات في الشارع لن يكون أحد قادراً على ضبطه خصوصاً بعد موجة اقتحام المصارف. تدلّ مواقف نصر الله على التعاطي بواقعية مع الاستحقاقات القائمة، وصولاً إلى حدّ الدعوة للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وحول ضرورة تشكيل حكومة جديدة لتجنّب الدخول في صراعات على الصلاحيات وعلى تفسير الدستور. بهذا الموقف يبدو نصرالله على الضفة النقيضة لحليفه رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل اللذين بدآ معركة سياسية ودستورية بإعلانهما رفض تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية لحكومة تصريف الأعمال.
كذلك وعلى الرغم من تهديداته المتكررة حول احتمال لجوء حزبه لتوجيه ضربات عسكرية للإسرائيليين في حال لم تنجح مفاوضات ترسيم الحدود، فإن الرجل لا يزال يسعى للحفاظ على الهدوء، ويعطي مجالاً للمفاوضات كما يقول، وهذا بحدّ ذاته تأكيد على عدم التهور للانخراط في صراع عسكري، لا سيما أن البلاد لا تحتمل أي مواجهة من هذا النوع لأن تداعياتها ستكون قاسية على الجميع. فالحرب إضافة إلى الفوضى هما أكثر ما يسعى الحزب إلى تجنّبهما لأن وقوعهما سيؤدي إلى تشظيات كبيرة في المجتمع اللبناني وداخل البيئة الشيعية أيضاً. خيار الحرب غير موضوع بحماوة على الطاولة بالنسبة إلى حزب الله، إلا إذا حصل تطور غير موضوع في الحسبان يرتبط بما بعد انسداد أفق الاتفاق النووي وترسيم الحدود، أو في حال أقدم الإسرائيليون هم على توجيه ضربة للحزب أو لأحد مواقعه فهذا قد يؤدي إلى تطور الصراع إلى أيام قتالية، أو ضربات متنقلة.على صعيد السياسة الداخلية، بدا نصرالله واضحاً في سعيه إلى البحث عن مجالات التوافق انطلاقاً من الحديث بواقعية حول كل الاستحقاقات، وهذا دليل على أن الحزب يعلم بأنه غير قادر على إنتاج رئيس محسوب على محوره السياسي، وفي الانتخابات الرئاسية لا يمكن تكرار تجربة «الـ 65» صوتاً التي جرى اعتمادها لانتخاب رئيس كمجلس نواب لأن الحزب لن يكون قادراً على تأمين النصاب، هذه الوقائع دفعت نصرالله للحديث عن إبرام تسوية للتوافق حول شخصية رئاسية تتمتع بحيثية شعبية وسياسية كي يكون قادراً على انجاز الاستحقاقات الدستورية، ولا يمكن فصل موقف نصرالله بضرورة إنجاز الاستحقاق في موعده، ما يعني أنه يحاول أن يتجنب تعطيل الاستحقاق لأحد أحد الحلفاء.الأمر نفسه ينطبق على موقفه من تشكيل الحكومة، وبحسب ما تكشف مصادر متابعة فإن نصرالله لا يريد تبني الموقف السياسي لرئيس الجمهورية أو التيار الوطني الحرّ في حال عدم إنجاز التشكيلة الحكومية، لذلك يفضل تشكيلها ويسعى مع حلفائه لإقناعهم بضرورة التوافق عليها لتجنّب سيناريوهات من الفوضى والصدامات في الشارع ستحصل لمنع حكومة تصريف الأعمال من تولي صلاحيات رئيس الجمهورية. أمام هذه الوقائع، تطرح مصادر سياسية متعددة أسئلة حول ما يريده حزب الله في هذه المرحلة، وإذا ما كانت مواقفه تنطوي على موافقة ضمنية على السير بخيار انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية على قاعدة وقف التدهور الحاصل وحفظ الاستقرار.
دوليات
نصر الله يتهيب انفلات الشارع... فهل تفرض الواقعية قائد الجيش لرئاسة البلاد؟
18-09-2022