على هامش مشاركة الكويت في معرض الكتاب بالأردن: نسخ... مغالطة... تحريف
احتفى معرض عمّان الدولي للكتاب (الأردن) في أول الشهر الجاري بدولة الكويت كضيف شرف، وحضر الافتتاح وزير الإعلام رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبدالرحمن المطيري، الذي أشار إلى «أهمية الثقافة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية مع الأردن»، ونظراً لاختيار «القدس عاصمة فلسطين» شعاراً للمعرض، قدم المجلس الوطني محاضرة تتسق مع الشعار تحت عنوان «القدس في عيون الكويت» مكونة من محورين، تحدث خلالها الأديب فهد الهندال عن «حضور القضية الفلسطينية في الرواية الكويتية– إسماعيل فهد أنموذجا»، وهو بحث جديد لم يُنشر من قبل، والمحور الثاني تحدث فيه عيسى دشتي عن «بريد الكويت وفلسطين: رقابة، مقاطعة، تأميم». وقد أثار فضولي عنوان محاضرة دشتي عن البريد المقتبس من نص نشرته في مجلة البوسطة، عدد يناير عام 2016م، وندوة حاضرت فيها في الجمعية الثقافية النسائية في شهر مارس، مما أثار حماستي كثيرا للاطلاع على المحاضرة لعلّي أجد فيها معلومات تثري الكتابات المتعلقة بتاريخ البريد بين الكويت وفلسطين. ولكن عندما استمعت لحديث عيسى دشتي من تسجيل مصور خاب ظني بالمحاضرة، وأصبت بالدهشة وكأني أستمع لما كتبته في مجلة «البوسطة» ومجلة «العربي» من دون إشارة المحاضر علانية إلى ذلك، ومع الأسف لم أجد أي مسوغ لهذا التجاهل الذي لا يسيء إلى شخصه بقدر ما يزعزع الثقة بدور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في اختياراته للمحاضرين، وربما يشكك في واجب وزارة الإعلام كجهة رسمية معنية بحفظ الحقوق الفكرية.
عيسى دشتي لم يقدم ورقة مطبوعة واعتمد على الذاكرة، وأخلّت سرديته الارتجالية في رصد تسلسل الأحداث البريدية، ما أدى إلى تحريف وقائعها بتفاصيل غير موثقة، فعلى سبيل المثال ذكر أن «البريد في الكويت من عام 1904 لغاية 1959م كان يُدار من قبل بريطانيا»، والصحيح أنه كان تحت الإدارة الهندية لغاية عام 1948، ومن ثم انتقل إلى الإدارة الإنكليزية. وقال «في فترة الثلاثينيات مع قدوم الجالية الفلسطينية شيئا فشيئا إلى الكويت»، والواقع أنه لم تكن هناك جالية فلسطينية في تلك الفترة، وإنما قدم أربعة مدرسين من فلسطين عام 1936م، ومكثوا فيها إلى عام 1942م، في حين نشأ المجتمع الفلسطيني في الكويت بعد نكبة 1948م. ومن الملاحظات غير الموفقة دمج المحاضر في حديثه بين تقسيم أراضي فلسطين عام 1948م، واحتلال كامل الأرض عام 1967م، في حين أن تبعات التبادل البريدي بعد التقسيم تختلف تماما عن الفترة التي تلت احتلال عام 1967م. وكذلك يدعي المحاضر «كان الضغط الشعبي الذي قام به الكويتيون في الأربعينيات ضد إدارة البريد بسبب البريد مع إسرائيل، كان يسبب مصدر إزعاج للمعتمد البريطاني» (انتهى الاقتباس)، ولكن في الواقع أن الضغط الشعبي بدأ في أوائل الخمسينيات، ولم يكن بسبب البريد مع إسرائيل، وإنما نتيجة سوء إدارة البريد. كما يدعي المحاضر في حديثه نقلا عن تقارير بريطانية أن «المعتمد البريطاني أصبح لا يتحمل النقد اللاذع من الكويتيين في وسائل التواصل الإعلامي»، ويستطرد «بل تطورت المقاطعة الشعبية إلى أن لا تستخدم بكثرة البريد البريطاني، وذلك بسبب استمرار نقل البريد البريطاني الرسائل من وإلى فلسطين المحتلة عن طريق البريد الإسرائيلي!، مما اضطر الشعب إلى القيام برفع عريضة وشكاوى إلى الحاكم» (انتهى الاقتباس)، ولكن ما أشار إليه من وثائق لا يوجد ما يؤكده في الأرشيف البريطاني. ويفسر دشتي دوافع تأميم البريد «نتيجة تمسك الكويت بموقفها بمقاطعة المحتل الإسرائيلي لنصرة القضية الفلسطينية» (انتهى الاقتباس)، وهذه الحقيقة منقوصة، فكان عليه أن يضيف تبعات وإرهاصات العدوان الثلاثي على السويس في نهاية عام 1956م، وهي الشرارة التي سرّعت من عملية تأميم البريد في عام 1957م، علما بأن مكتب البرق تم تأميمه عام 1954م. وتكشف المحاضرة أيضاً عن مغالطات تنم عن عدم الاطلاع الوافي، فعلى سبيل المثال عند تناوله للبريد عن طريق دولة ثالثة في السبعينيات، قال «كانت الرسائل تصدر من الكويت باسم قبرص، وفي قبرص كانت توضع عليها رموز، وهذا الرمز يعني ترسل إلى فلسطين» (انتهى الاقتباس)، والصحيح هو وضع رسالة تحمل العنوان المرسل إليه في فلسطين مع قسائم جوابية في جوف رسالة وتبعث إلى مكتب بريد نيقوسيا في قبرص، وهناك تفتح الرسالة وتستخرج الرسالة التي في الداخل لتوضع عليها الطوابع القبرصية ثم تُرسل ضمن البريد القبرصي إلى داخل فلسطين. هذه بعض الهفوات التي وقع بها أمين سر الجمعية الكويتية لهواة الطوابع عيسى دشتي، والذي كان من الأولى أن يُعدّ ورقة بحث يعززها بالمصادر، ويضمنها بالوثائق، من أجل تمثيل ثقافة الكويت في أجمل صورة، أو يعتذر عن عدم تحمل المسؤولية منعا من إحراج الجهة الراعية.