مللنا وقرفنا
مللنا، لاعت أكبادنا، وقرفنا، آسف لصيغة الجمع، لكن الأمل أن يشعر الكثيرون غير المبالين بحالة الضجر التي نحيا بها نحن القلة، من بعد التحرير ومن مجلس 1992، وأيضاً قبل التحرير، لا هم ولا عمل بدولة أغسل يدي قبل الأكل وبعده إلا التهليل والاستعراض السياسي لشعارات معممة من طبقوا الشريعة، وعدلوا المادة الثانية من الدستور، وعدلوا الدستور وقوانين الجزاء... إلى بني ليبرال... دعاة الرذيلة والتفسخ الاجتماعي... كلمات وعبارات نرجم بها يومياً لا كلل ولا تعب من إكليروس (رجال الدين المسيحيون في عصور الظلام) دعاة الدولة الدينية المتسلطة.أضحينا في حروب طويلة أطول من حرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر، تلك الحرب انتهت باتفاقية وستفاليا التي حددت وخلقت مفهوم الدولة القومية في أوروبا، وأرست معالم السلام، بينما مازلنا هنا نخوض الحروب الدينية القبلية، ونصر على استمرار حروب القبائل والغزوات الطويلة، وسلطة حكم إما كانت واقفة متفرجة بحياد خاوٍ دون طعم ولا رائحة أو «مصهينة» على الارتدادات الحضارية وكأنها لا تدري أو كانت تساير ذلك التيار المتحجر في ثقافته وتختم بالمزايدة على أحلامه الكبرى فهذا بدوره يوفر شرعية شعبية للحكم.جماعة من بني ليبرال، وهي تسمية ابتدعها عبدالرزاق الشايجي منذ سنوات، تحتفي اليوم بسقوط وثيقة إحياء الدولة الدينية لقلة المرشحين الموقعين عليها بالنسبة لغير الموقعين، وهذا غير صحيح أبداً، فلا يمكن التكهن بنتائج الانتخابات القادمة في دولة ديموقراطية مضحكة لحد البكاء لا تريد الأحزاب ولا البرامج السياسية، ولا تفتح الأبواب لحريات التعبير، فهذا المكان المشترك الذي تلتقي فيه سلطة الحكم مع سلطة رجال الدين في مدارات التجهيل، فماذا سيحدث لو فاز بالانتخابات معظم الموقعين على وثيقة التنوير البالغة السواد؟!
في أيام مجلس 1992 كانت هناك معركة «هعا منعم»، وهو اختزال الزميل عبداللطيف الدعيج للدعوة النيابية لخلق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهلل بنو ليبرال لسقوط المشروع، إلا أن الحكاية لم تنته، ففي عام 1997 قدم نواب مشروع قانون الجزاء «الشرعي» الذي يجيز قطع اليد والجلد والرجم، مشروع قانون لو أقر لأصبحت أفغانستان الطالبانية هي السويد بالنسبة للكويت.الوثيقة مازالت حية في دنيا الأموات، هي تزخر بالرعب الشمولي في كيانات اجتماعية مسطحة ووعي فكري طفولي ساذج غارق في ثقافة التسوق والجري بالمولات ويجفل من أي قراءة فكرية جادة تهز خلايا الشك والجدل في العقول المخدرة، حدود هذا الفكر هي مسطحات تويتر وفيسبوك وإنستغرام لا أكثر... ما العمل؟!