خلاصات ختامية بهذا المقال أصل إلى نهاية المطاف في هذه السلسلة حول «مصاحف صنعاء والمشككون في القرآن»، لذلك يحسن تذكير القرّاء المهتمين بهذا الموضوع، ما سبق عبر خلاصات ختامية أبرزها:
أولاً: تأكيد أن المصدر الأساسي لنقل القرآن الكريم إلينا هو النقل «السماعي الشفهي المتواتر»، فور نزوله على قلب الرسول، صلى الله عليه وسلم، ينطق به في محضر من الصحابة، يحفظونه ويتعبدون به كنظام حياة ومعيشة وعبادة، وينقلونه تسميعاً وحفظاً إلى التابعين فتابعي التابعين وإلى يومنا. هذا معناه أنه لا أهمية لوجود أو ظهور مخطوطات قرآنية مختلفة عن المصحف الذي بأيدينا والمنسوخ عن مصحف عثمان، رضي الله عنه، المعتمد (نصاً مكتوباً) لأنه حتى على افتراض أن كل مصاحف الدنيا ضاعت أو احترقت، فهذا لا يمس حصانة القرآن من التحريف، لأنه، أصلاً، محفوظ في صدور الملايين من المسلمين. ثانياً: تأكيد أن كل المرويات التي نقلتها كتب التراث ومنها كتب الصحاح وعلى رأسها (البخاري ومسلم) رحمهما الله تعالى، عن بعض الصحابة، من أن هناك آيات أو سوراً سقطت أو نسخت أو رفعت، كالقول بأن آية الرجم نسخت تلاوة وبقيت حكماً! وآية العشر رضعات نسخت بخمس، وأن الحفد والخلع سورتان رفعتا، أو القول المنسوب لابن مسعود: المعوذتان ليستا من القرآن لا تلزمنا، هي أخبار آحاد ظنية، وإيماننا بالقرآن يقيني والآحاد لا تفيد يقيناً، وتعليلات شراح الصحاح، بأنها كانت قرآناً ونسخت أو رفعت أو أنسيت، لا قيمة لها.ثالثاً: لا خشية على القرآن، من اكتشاف مخطوطات قرآنية مختلفة عن مصاحفنا، مثل: مخطوطات صنعاء، كما لا ينبغي أن نقلق أو نفزع أو ننزعج لأن مستشرقاً، أو عالم مخطوطات قرآنية، أو موقعاً للملحدين العرب، أو غيره من المواقع الرقمية، أثار شكوكاً أو طعونا أو شبهات أو جدلاً حول اختلاف مصاحف صنعاء عما بأيدينا، لأن مثل هذا الجدل حول اختلافات المصاحف، أمر معروف لدى علماء المسلمين القدامى أنفسهم، وقد ألفت فيه مؤلفات منذ العهد المبكر، مثل كتاب (اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق) لابن أبي عامر المتوفى 118، أشار إليه أبو داود السجستاني في كتابه المشهور (المصاحف) بل إن كتب الصحاح ومنها البخاري ومسلم ذهبت إلى أعظم مما أثاره الغربيون، حين نقلت مرويات منسوبة للصحابة عن آيات وسور سقطت أو نسخت أو رفعت.سجل القدماء تلك المرويات حول: اختلافات المصاحف، أو سقوط آيات وسور، أو اختلاف ترتيب السور، وهم على ثقة أن كل ذلك لا يقدح في صحة وسلامة نقل القرآن عبر العصور، لأن المصدر الأول لحفظه وسلامة نقله من جيل إلى جيل، هو تلقيه حفظاً في صدور الآلاف بعضهم عن بعض متواتراً، لأن (الكتابة والنسخ) على الرقوق والأوراق معرضة للتحريف والأخطاء وسهو واشتباه النساخ، فضلاً عن الاندثار والضياع بفعل عاديات الزمن، ولذلك كانت مصدراً ثانوياً.رابعاً: ولمزيد من الاطمئنان القلبي واليقين العقلي، خاصة لمن لا يثقون إلا بالمكتوب الملموس، عندنا اليوم (5) مخطوطات قرآنية (شبه كاملة) ترجع إلى القرنين الأول والثاني الهجريين، وهي جميعاً متفقة مع الرسم العثماني (المصحف الإمام) هي: مخطوطة صنعاء المنسوبة للإمام علي، كرم الله وجهه، مخطوطة مسجد الحسين، مصحف متحف طوب قابي سراي بإسطنبول، مصحف تيام بإسطنبول، مخطوطة جامعة برمنغهام، غير 250 ألف مخطوطة قرآنية (غير مكتملة) تنتمي إلى عصور إسلامية مختلفة، كلها متفقة مع الرسم العثماني ومستنسَخة منه ومتفقة مع مصاحفنا، كما يقول الدكتور الأعظمي رحمه الله.خامساً: من المفيد تأكيد عدم وجود سند تاريخي موثوق بنسبة أي من تلك المصاحف إلى عثمان، رضي الله عنه، رغم ادعاءات المتاحف المحفوظ بها هذه المصاحف لكنها جميعاً مستنسخة منه. (راجع: أضواء على مصحف عثمان: د. سحر السيد عبدالعزيز)، لكن كل ذلك لا يمس عصمة وحصانة القرآن، ما دام المعول عليه هو (النقل والتلقي) المتواترين، كما يقول العلامة الزرقاني رحمه الله. * كاتب قطري
مقالات
مصاحف صنعاء والمشككون في القرآن (11)
19-09-2022