لا تزال تدهشك اللحظة بتفاصيلها؟ ربما رغم أنهم يكررون عليك ولمَ الاستغراب أو الاستعجاب؟ ويعددون كل المفردات العربية للمعنى والهدف ذاته كونهم لا يصدقون أننا لا نزال نتفاجأ ببعض ما يحصل أو حتى بنتائج فعل كان من قبلهم سلطة أو جمعية أو مجموعة أو حتى شلة صغيرة.هم يتصورون أن المطلع على بعض الأمور ليس بحاجة إلى كثير من الذكاء أو العلم أو النباهة ليتصور نتائج تلك السياسات أو التصرفات أو الممارسات نفسها، ألم تكن هناك أحداث كثيرة مثلها وقد دونها البعض حتما «إذاً لمَ الاستغراب والدهشة؟» ألم يقل وينستون تشرشل منذ زمن بعيد عندما تكرر الفعل نفسه فلا بد أن تكون النتائج متطابقة؟ أي لا تتصور أن الخواتيم مختلفة والفعل نفسه؟! رغم كل ذلك من تحضير لا تستطيع أن تقاوم دهشتك من هول ما نعيش في هذه البقعة الصغيرة من سطح الأرض، خصوصاً أن تنقلك بين بلدان ومدن مختلفة قد أوصلك إلى يقين أنهم جميعا يمارسون السياسات نفسها ويعيدون تكرارها وتوزيعها، أو كما يقول بعض أهل الشام «كلهم دارسين عند نفس الشيخ»، رغم أن الحقيقة أنهم لم يدرسوا، ففي ذلك تعب وإرهاق لا يتلاءم مع حجم مواقعهم ومكانتهم في الدولة أو في المجتمع.
تبدو دول المنطقة مصابة بالداء نفسه الذي امتد ليصل الى كثير من منظمات المجتمع المدني أو الجمعيات الأهلية، وتعود لدهشتك رغم أنهم قالوا لك، وأكثروا من الوصف، بأن الداء منتشر فقد تغلغل الى كل المستويات أفقيا وعموديا ولم يسلم منه إلا القليل القليل أو ربما لا أحد!هناك هوس المناصب حتى لو كانت حقيرة أو ربما الأفضل أن نصفها بالبسيطة أوغير الفعالة، رغم أن وصفها الوظيفي جميل جدا على الورق فقط لا غير، فالتحضير لانتخابات برلمانية هنا وهناك قد برزت بأسماء في معظمها تبحث عن البروز، رغم أن كثيراً من الناس في أوطاننا لا يعرفون أسماء نوابهم وأحيانا حتى وزرائهم المتنقلين بين حقيبة وأخرى أو هم ربما «عباقرة هذه المرحلة» التي لا يمكن وصفها بأكثر من أنها تافهة ومليئة بالسخف! المضحك أن منهم من يردد «أترشح نزولا عند رغبة المواطنين» فتعود عليه أو عليها التعليقات بقهقهات تأتي من بقاع الأرض كافة، أي مواطن طالب بالنكرات أن تجلس فوق مقاعد وفي قاعات صممت لتكون صوت الشعب أو بعضه، فتحولت إلى مهرجانات وبهرجات وجعجعات، بل في كثير من الأحيان إلى تجميل لصورة مليئة بالقبح. قد يكون من المفيد أن يذكرهم المختصون بأن صناديق الاقتراع ليست هي الديموقراطية أو مشاركة الشعب... المؤلم أن صوت الناس تم طمسه ليتحول إلى رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في معظمها يضيع السمين فيها بين كثير وكثير من الغث والسفه. وهذا الداء لم يعد قصرا على الباحثين عن منصب وزير أو وكيل أو نائب أو نائبة، بل تحول ليكون طموح بعضهم رئيسا أو رئيسة لجمعية مختصة أو خيرية وهي في مجملها جمعيات شكلية لا لون لها أو ربما نزع منها اللون فأصبحت باهتة مثل ذاك المشهد العام!يقولون منذ القديم إن العبد كثيراً ما يقلد مستعبده ولا يعرف ممارسات إلا تلك التي مورست عليه، وها هي كثير من الجمعيات الأهلية في معظم «بلاد العرب» قد أصيبت بداء حكوماتها وسلطاتها وحاكميها، وإلا فأموال المانحين تخط لها اتجاهاتها وتغيرها حسب رغبات واهتمامات وسياسات تلك الجهات المانحة، وهذه سقطة إن لم نشأ تسميتها بخطأ أصاب حتى منظمات الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها المختلفة.المؤسف جدا أن بعض تلك المنظمات التي فرخت عشرات مثلها أو شبيهة لها هي المعنية بتقديم تقارير الظل ورقابة الحكومات في أدائها تجاه احترام الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها حتى لو كان ذلك ببعض التحفظ أحيانا ووضع الملاحظات أحيانا أخرى. كيف تستطيع منظمات المرأة في أوطاننا أن تكتب تقارير عن أوضاع النساء والقائمات على تلك المنظمات بعيدات، إلا فيما ندر، عن معاناة المرأة في بلادنا؟ أليس من المشين أنه لا تزال النساء قاصرات في نيل بعض تلك الحقوق البسيطة التي يتمتع بها الرجال مثل حق المواطنة، أي أن تمنح الأم أبناءها الجنسية؟ أو حتى حقها المساوي في الترقي ونيل المناصب العليا حسب الكفاءة، لا لتجميل تلك الصورة؟ فكثيراً ما نرى تقارير عن حكومات بعدد كبير من النساء أو نساء يترأسن جمعيات وشركات فقط «للديكور» وكأنهن مخلوقات جامدة في برواز للوحة رسمها البعض في خيالهم، متصورين أنهم بذلك يبهرون العالم بتحضرهم ومواكبتهم للتطورات أو ربما فقط للقول إننا «بخير جدا» ونعمل على مشاركة شعوبنا فردا فردا في كل صغيرة وكبيرة، أما نساؤنا فهن واجهة «الفترينة» ألا ترونهن؟!* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.
مقالات
وشوشة الورق
19-09-2022