«الوطني»: مخاطر الركود تلوح في الولايات المتحدة وأوروبا
البنوك المركزية الرئيسية تواصل رفع الفائدة وسط الحاجة الملحة لمعالجة التضخم
بدأت طفرة الطلب التي أعقبت جائحة كورونا بالتلاشي، وسط الضغوط التي يتعرض لها المستهلك، مما قد يزيد مخاطر الدخول في مرحلة من الركود الاقتصادي بالولايات المتحدة وأوروبا.
دفع ارتفاع تكاليف المعيشة بوتيرة مطردة معظم البنوك المركزية الرئيسية إلى تطبيق سياسات نقدية أكثر تشدداً عما كانت عليه سابقاً.وحسب تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، وصلت أسعار الفائدة الرئيسية الآن إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، مع توقع بمواصلة ارتفاعها خلال الفترة المتبقية من عام 2022 و2023 على الأقل. وكان مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي في صدارة البنوك المركزية التي بادرت بتطبيق سياسات نقدية متشددة، في حين بدأت جهات أخرى، خاصة البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا اللحاق به وتشديد سياساتها مع ترسخ مخاطر ارتفاع معدلات التضخم.كما تزامن قيام «الفدرالي» بتشديد سياساته النقدية بوتيرة سريعة مع ارتفاع الدولار بمستويات غير مسبوقة، مما عرض العملات الرئيسية الأخرى لضغوط كبيرة، وساهم في تفاقم مشكلة التضخم عبر رفع تكاليف الاستيراد، وأدى ذلك أيضا إلى تعرض السندات الأوروبية لعمليات بيعية مكثفة. من جهة أخرى، بدأت طفرة الطلب التي أعقبت جائحة كورونا التلاشي وسط الضغوط التي يتعرض لها المستهلك، مما قد يزيد مخاطر الدخول في مرحلة من الركود الاقتصادي بالولايات المتحدة وأوروبا، وإذا استمر الانخفاض الذي سجلته أسعار السلع الأساسية أخيراً فسيكون بادرة مرحبا بها من صانعي السياسات والمستهلكين على حد سواء.
ضعف النشاط الاقتصادي
وانخفض زخم نمو الاقتصاد الأميركي خلال الأشهر القليلة الماضية، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، وضعف البيئة الاقتصادية على المستوى العالمي، ويبدو أن معدل التضخم الكلي بلغ ذروته مع استقرار الأسعار على نطاق واسع في يوليو وأغسطس الماضيين، مما أدى إلى تراجع معدل الزيادة على أساس سنوي إلى 8.3% حتى أغسطس مقابل 9.1% في يونيو، إلا أن التضخم الأساسي (الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة) استمر في الارتفاع بمعدل أعلى مما كان متوقعاً بنسبة 0.6%، على أساس شهري، ليصل إلى 6.3% في أغسطس مقابل 5.9% في يوليو.وواصل مجلس الاحتياطي الفدرالي سياسته النقدية المتشددة، إذ رفع سعر الفائدة بنسبة 0.75% في اجتماعه المنعقد في 15 يوليو (لتصل بذلك الارتفاعات التراكمية إلى 2.25% منذ مارس)، مع توقعات برفعها بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه المقرر عقده في 21 سبتمبر وبمقدار 125 نقطة أساس أخرى قبل نهاية العام. كما بدأ «الفدرالي» تخفيض الميزانية العمومية في يونيو، ورفع المعدل الشهري لوتيرة التخفيض من 47.5 إلى 95 مليار دولار في سبتمبر. وعلى الرغم من توافر الظروف التي تبرر تطبيق المزيد من التدابير الصارمة بالنظر إلى المعدلات التي وصل لها التضخم فإن هناك مخاطر تكمن في تباطؤ «الفدرالي» في الاستجابة لديناميكيات تراجع وتيرة نمو التضخم، فعلى سبيل المثال تشير العديد من المؤشرات المستندة إلى بيانات السوق بالفعل إلى أن التضخم سيتراجع بوتيرة سريعة خلال الأشهر المقبلة، في حين أن بعض المؤشرات الأخرى (أسعار السلع، مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصادر عن معهد إدارة التوريدات، أسعار السيارات المستعملة، وغيرها) والتي عادة ما تدفع بيانات مؤشر أسعار المستهلكين للارتفاع، تشير الآن إلى تراجع الضغوط التضخمية في المستقبل، كما انخفضت توقعات تضخم أسعار المستهلكين (أحد المقاييس الرئيسية التي يهتم بها الفدرالي) مقارنة بالمستويات المرتفعة التي شهدها مؤخرا.وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 0.6%، على أساس ربع سنوي، في الربع الثاني من عام 2022، متأثرا بالاستثمار الخاص بينما بقي نمو الاستهلاك الشخصي جيداً (+1.5%)، ويعد تسجيل الاقتصاد لنمو سلبي خلال ربعين متتاليين (-1.6% في الربع الأول)، من إحدى القواعد العامة المقبولة على نطاق واسع لتحديد حالة الركود. إلا أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي نموا إيجابيا في الربع الثالث من العام الحالي، رغم التوقعات التي ترجح تسجيل نمو محدود يتراوح بين 1% و2%، واستمر الاتجاه الهبوطي لمتوسط قراءة مؤشر مديري المشتريات لقطاعي الصناعة والخدمات (أحدث قراءة لشهر أغسطس)، بالرغم من بقائها في منطقة النمو. من جهة أخرى، استمر تحسن سوق العمل على الرغم من إمكانية وصوله بالفعل إلى أعلى مستوياته، ولا تزال معدلات خلق فرص العمل إيجابية وإن كانت قد بدأت في اتخاذ اتجاه هبوطي، إلى جانب التوقعات التي تشير إلى إمكانية استمرار التراجع على مدار الأشهر المقبلة، وارتفع معدل البطالة من 3.5% في يوليو إلى 3.7% في أغسطس (أعلى مستوياته المسجلة منذ فبراير)، بدعم رئيسي من النمو الكبير لنسبة المشاركة في سوق العمل من 62.1% إلى 62.4%، أي بنفس المعدل الذي تم تسجيله في مارس كثاني أعلى معدل نمو قبل ظهور الجائحة، والذي بلغ 63.4% في فبراير 2020. وتعد تلك الزيادة لنسبة المشاركة في سوق العمل من أبرز التطورات الإيجابية، مما يعني زيادة الإقبال على سوق العمل، وإذا استمر هذا الاتجاه التصاعدي فمن المرجح أن يساهم ذلك في السيطرة على تضخم الأجور وتضخم أسعار المستهلك.أوروبا على حافة الركود
وتلخص الفوضى المستمرة لاقتصاد منطقة اليورو عددا من العوامل التي تتضمن أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق، وترسخ معدلات التضخم المرتفعة، وتشديد أوضاع سوق العمل، وتراجع أداء اليورو، ورفع المركزي الأوروبي لسعر الفائدة بمعدلات كبيرة وتزايد المؤشرات الدالة على الركود الوشيك للاقتصاد الأوربي. من جهة أخرى، شهدت تدفقات الغاز الروسي اضطرابات متكررة، إذ أوقفت روسيا تدفقات الغاز عبر أحد خطوط الأنابيب الرئيسية (نورد ستريم 1)، مما أدى إلى تزايد المخاوف المتعلقة بتوافر الغاز وربما تقنين الإمدادات. إضافة إلى ذلك، هدد الرئيس فلاديمير بوتين بوقف كل تدفقات الطاقة إلى الدول التي تدعم تحديد سقف لأسعار النفط الروسي، وعلى الرغم من مراجعة توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني من العام ورفعها إلى +4.1% على أساس سنوي فإن مؤشر مديري المشتريات المركب للكتلة الأوروبية ظل في منطقة الانكماش خلال أغسطس عند مستوى 48.9 مقابل 49.9 في يوليو. وبصورة واضحة، تراجع أداء قطاع الخدمات، الذي يعتبر النقطة المضيئة الدالة على ارتفاع الطلب بعد الجائحة، ودخل في منطقة الركود بأغسطس، إذ وصلت قراءة المؤشر إلى 49.8 مقابل 51.2، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية المستمرة، ظلت أوضاع سوق العمل شديدة إلى حد ما، إذ انخفض معدل البطالة إلى 6.6% في يوليو مقابل 6.7% في يونيو.وارتفع المؤشر المنسق لأسعار المستهلك في منطقة اليورو إلى 9.1% على أساس سنوي في أغسطس مقابل 8.9% في يوليو، وقفز المعدل الأساسي إلى 4.3% مقابل قراءته السابقة البالغة 4%، مما يعني تسجيله ارتفاعا واسع النطاق. والأسوأ من ذلك، تراجع اليورو أمام الدولار بنسبة 12% تقريباً منذ بداية العام (فيما يعزى إلى حد ما إلى الفجوة بين معدلات الفائدة مقارنة بسياسات الاحتياطي الفدرالي)، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة واردات الوقود التي تعتمد في تسعيرها على الدولار. وفي ظل عدم توافر مؤشرات دالة على تراجع معدلات التضخم، واستمرار ضعف اليورو، وتشديد أوضاع سوق العمل، رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة على الودائع بمقدار 75 نقطة أساس في وقت سابق من الشهر الحالي، بعد رفعها بمقدار 50 نقطة أساس في يوليو، ليرفع بذلك المعدل إلى 0.75% مقابل -0.5% في يونيو. وقد يشعر بالتوابع السلبية لارتفاع أسعار الفائدة في بعض الدول المحيطة، بما في ذلك إيطاليا، إذ وصل الفارق بين معدل الفائدة في إيطاليا مقابل ألمانيا إلى نحو 225 نقطة أساس (على السندات الحكومية لأجل 10 سنوات)، أي بالقرب من أعلى مستوياتها بعد الجائحة، وفي إطار مساعي البنك المركزي الأوروبي للحد من ذلك اتبع آلية تهدف إلى منع اتساع فروق معدلات الفائدة بشكل كبير بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال قيد التطوير.من جهة أخرى، نما الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة بنسبة 0.2% على أساس شهري في يوليو مقابل -0.6% في يونيو. إلا أن مؤشر مديري المشتريات المركب لشهر أغسطس تراجع إلى 49.6 مقابل 52.1 في يوليو، وهي أول قراءة انكماشية يتم تسجيلها منذ فبراير 2021، كما تخطى المؤشر الكلي لأسعار المستهلكين مستويات الذروة، إلا أنه تراجع بشكل غير متوقع إلى 9.9% في أغسطس (10.1% في يوليو)، في المقابل، ارتفع معدل التضخم الأساسي إلى 6.3% مقابل 6.2%.