أكد مصدر في قيادة شرطة طهران إقالة قائد شرطة الآداب بالعاصمة الإيرانية، العقيد ميرزايي، بأوامر مباشرة من المرشد علي خامنئي، أمس، مشيراً إلى تعليق عمل الجهاز الأمني سراً حتى تهدأ الاحتجاجات المتواصلة منذ إعلان وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، بعد احتجازها من قبل «شرطة الآداب» الأسبوع الماضي لمخالفتها قواعد لبس الحجاب الإلزامي.وفي وقت اكتسبت الاحتجاجات والتظاهرات زخماً شعبياً وسياسياً وشهدت عدة مدن، غالبيتها كردية، استجابة لافتة لدخول إضراب شامل، ذكر المصدر أن السلطات فضلت تعليق عمل الجهاز دون إعلان ذلك لتفادي الانتقادات من الأجنحة المتشددة في المجلس الأعلى للأمن القومي، التي تصر على تكليف قيادة الشرطة فرض تطبيق الأحكام الشرعية بالقوة.
وأشار إلى أنه منذ تولي الرئيس الأصولي المتشدد إبراهيم رئيسي زمام السلطة زادت ميزانية شرطة الآداب ووصلت إلى أرقام فلكية بعد أن تم تخفيضها وتقييد نشاطها في عهدي محمود أحمدي نجاد وخلفه حسن روحاني، لافتاً إلى أن الحادث الأخير أجج الخلافات بين الأجنحة المتشددة بالمجلس الأعلى وقيادات الشرطة المدنية التي اشتكت من أن تكليفها بفرض الأحكام الشرعية يعرقل عملها على مكافحة الجريمة ويجعلها عرضة لانتقادات وهجمات سياسية وشعبية. وكشف المصدر أن القائد العام للشرطة بعث رسالة إلى خامنئي يطالبه فيها بالموافقة على فصل «جهاز الآداب» عن الشرطة المدنية بشكل كامل وإلحاق مهامه بإحدى المؤسسات أو الدوائر الحكومية، لكن المرشد اكتفى بإصدار أمر شفهي ينص على تقليل نشاط الجهاز مع الوعد بالنظر في إمكانية تحقيق الخطوة لاحقاً. جاء ذلك في وقت أكد أفراد بأسرة الفتاة الكردية، التي ادعت السلطات أنها كانت تعاني من مؤشرات صرع ومشاكل قلبية، أن أميني لم تكن تعاني أي أعراض مرضية قبل توقيفها الأربعاء الماضي.ونشرت منصات معارضة تقارير عن إحدى السيدات اللواتي تم احتجازهن في حافلة تابعة لشرطة الآداب قبل نقلهن إلى المخفر يفيد بأن مهسا استهزأت بعناصر الشرطة، وسخرت منهم، حيث قاموا بضربها على رأسها، مؤكدة أنها توفيت بسبب ذلك. وذكر والد مهسا أنه رأى كدمات على جسد ابنته قبل دفنها، وأنه كلف شباناً بحراسة قبرها، لأن البعض حاولوا سرقة جثمانها أمس في محاولة لقطع الطريق على المطالبة بإعادة تشريحه لكشف ملابسات الوفاة.ورغم إطلاق السلطات تهديدات بإغلاق الصحف والقنوات والمنصات الإعلامية، التي تسمح بتوجيه اللوم للحكومة جراء فرض القوانين الشرعية بالقوة، جذب الحادث المأسوي اهتمام العديد من مشاهير السياسة والإعلام والثقافة والرياضة ودعم العديد منهم الحملات المطالبة بالدخول في إضراب عام شامل حداداً على روح مهسا وللضغط على السلطات القمعية.وقام تجار المحافظات الغربية، وخصوصاً الكردية، بإغلاق متاجرهم، كما شارك العديد من تجار مناطق خوزستان العربية ولرستان من اللر بالإضراب.وشهدت طهران وعدة محافظات صدامات عنيفة بين عناصر «الباسيج»، المدعومة بقوات مكافحة الشغب ومحتجين على قتل مهسا، حيث تحولت التظاهرات إلى دعوات للمطالبة بإسقاط النظام واستهدفت مقار حكومية وأمنية.كما خرجت تظاهرات متفرقة بعدة مناطق إيرانية، أمس، لليوم الرابع على التوالي احتجاجاً على مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني «22 عاماً» بعد توقيفها من عناصر «شرطة الأخلاق» بذريعة مخالفتها قواعد ارتداء الحجاب.وتركزت الاحتجاجات بمحافظتي كرمانشاه وكردستان بمشاركة مجموعات ومنظمات طلابية ونقابات عمالية ومنظمات حقوقية. وفي حين نظم طلاب بعدة جامعات في طهران مسيرات غاضبة ضد قمع الشرطة، شاركت ناشطات بمجال حقوق المرأة في وقفات احتجاجية بعدد من المناطق بالعاصمة. وانتشرت القوات الأمنية بكثافة في مدينتي سنندج وسقز، مسقط رأس مهسا، غربي البلاد، واعتقلت نشطاء حاولوا تصوير إغلاق المتاجر والمحال التجارية لأبوابها تضامناً مع أسرة الضحية.وبثّ نشطاء على مواقع التواصل مقاطع فيديو وتقارير عن الإضراب في سنندج وسقز وبانه ومريوان في محافظة كردستان. كما شارك بالإضراب أصحاب المتاجر في أورمية وبوكان وبيرانشهر في محافظة أذربيجان الغربية.وأغلق العديد من أصحاب المتاجر في مدينة كرمانشاه وبعض المدن الأخرى في المحافظة، بما في ذلك جوانرود متاجرهم، رغم تلقيهم تهديدات أمنية بمعاقبتهم لمنعهم من المشاركة بحملة الاحتجاج المتواصلة منذ إعلان وفاة الفتاة الجمعة الماضية.وقامت نساء إيرانيات مشهورات بقص شعورهن احتجاجاً على مقتل الشابة مهسا أميني الأسبوع الماضي أثناء احتجازها لدى الشرطة في طهران.
تأييد حزبي
وأعلن عدد من الجماعات السياسية، أمس، دعم تنظيم حملات احتجاجية والدخول في حداد عام بمختلف المدن.ونشرت 8 أحزاب سياسية معارضة لسلطات طهران خارج البلاد، ليل الأحد ـ الاثنين، بياناً مشتركاً وصفت فيه مقتل مهسا بأنه «بداية لنهاية النظام الإيراني». وطلبت الأحزاب من الجماعات المعارضة في الخارج إيصال صوت الاحتجاجات إلى المجتمع الدولي.كما أعلن رضا بهلوي، نجل شاه إيران الراحل، انضمامه إلى الحداد العام يومي، وقال: «إن مقتل مهسا أميني الصادم، على يد نظام الجمهورية الإسلامية المناهض لإيران والمعادي للمرأة، جرح مشاعر الشعب الإيراني بأسره».الشرطة
في المقابل، وصفت الشرطة وفاة مهسا بأنها «حادث مؤسف لا تريد أن يتكرر».وقال قائد شرطة طهران الكبرى حسين رحيمي في بيان: «وُجهت اتهامات وضيعة للشرطة الإيرانية. سننتظر حتى يوم صدور الحكم لكن لا يمكننا التوقف عن أداء العمل الأمني».وأشاد المسؤول الإيراني بأداء «شرطة الأخلاق»، رافضاً التعليق على سبب وفاة الشابة الكردية «لأن هذه مسألة طبية لا أمنية».وأضاف أن مهسا لم تتعرض لإساءة معاملة، نافياً مزاعم تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن مهسا توفيت بعد تعرضها لضربة مميتة على الرأس من عناصر «شرطة الأخلاق»، التي بدأت أخيراً تطبيق قواعد صارمة تلزم النساء بتغطية الشعر وارتداء ملابس فضفاضة.وجاء أسف الشرطة الإيرانية في وقت نشرت منصة «إيران إنترناشيونال» المعارضة صوراً قالت إنها لـ «أشعة مقطعية تظهر كسراً بجمجمة مهسا أميني بالجانب الأيمن بسبب مضاعفات ناجمة عن ضربة مباشرة على الرأس». وذكرت المنصة المعارضة أنها حصلت على صور الأشعة من مجموعة قراصنة إلكترونية.وتظهر الصور وجود إفرازات ودم في رئتي مهسا الأمر الذي أدى إلى دخولها في غيبوبة بعد الضربة القوية على رأسها.ووزع ناشطون صوراً لمهسا وهي راقدة في المستشفى وتخضع لعلاج في تكذيب للفيديو الذي نشرته الشرطة ويدعي أنها توفيت بعد تعرضها لأزمة قلبية في مكان الاحتجاج. وذكر المستشفى الذي ظهرت مهسا راقدة فيه في منشور على موقع انستغرام لمشاركة الصور، أن أميني كانت بالفعل متوفية عندما تم نقلها للمستشفى الثلاثاء الماضي. وعلق والد الفتاة أمجد أميني على الفيديو الذي نشرته الشرطة قائلا لوكالة «فارس» إن «الفيديو مجتزأ»، ومشيراً إلى أن ابنته «نُقلت بصورة متأخرة إلى المستشفى». وقال وزير الداخلية أحمد وحيدي إن «مهسا كان لديها على ما يبدو مشكلات (صحية) سابقة»، و«أجريت لها عملية جراحية في الدماغ حين كانت في الخامسة من العمر». لكنّ والد الضحية نفى هذه المعلومات، مؤكدا أن ابنته كانت «بصحة ممتازة».زوجة رئيسي
وفي وقت لم يهدأ الغضب بسبب حادث مهسا، دعت جميلة علم الهدى، زوجة الرئيس إبراهيم رئيسي، إلى مواجهة التيار السياسي والاقتصادي والإعلامي الذي يروج لـ «الدعارة وعدم ارتداء الحجاب»، وقالت إن الاهتمام بـ «العفة والحجاب وصية معظم شهدائنا بشكل مشترك». وجاء ذلك بعد ساعات من اتصال رئيسي بأسرة أميني لتقديم تعازيه وابلاغها بأنه أمر بفتح تحقيق لكشف ملابسات موت مهسا بدقة. إلى ذلك، لم يستبعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني عقد لقاء بشأن إحياء اتفاق 2015 النووي مع القوى العالمية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يشارك بها الرئيس الإيراني وكبير المفاوضين علي باقري كني حالياً، لكنه استبعد عقد اجتماع بين المسؤولين الإيرانيين والأميركيين في نيويورك. وفي وقت تتزايد المؤشرات على ازدياد التقارب بين طهران وموسكو بعدة ملفات، ذكر الكرملين، أن عدداً من القضايا لا يزال عالقاً في المفاوضات بشأن العودة للاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018.جدل «الهولوكوست»
وفي خطوة مثيرة للجدل، رفض الرئيس الإيراني في تصريحات لشبكة «سي. بي.إس» الأميركية، الاعتراف بوقوع «المحرقة النازية» المعروفة بـ «الهولوكوست» والتي يعتقد أن 6 ملايين يهودي راحوا ضحيتها، وقال رئيسي إن «الأحداث التاريخية يجب التحقيق فيها من قبل الباحثين والمؤرخين، هناك بعض الأدلة على حدوث ذلك. إذا كان الأمر حقيقي، فينبغي أن يسمحوا بالتحقيق والبحث فيها».من جهته، ندد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان بتصريحات رئيسي. وناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن ينكر «على مسرح عالمي لنشر معاداة السامية والكراهية».