ليست حرية تعبير
قضية لا يختلف عليها العقلاء أن حرية التعبير تعد من أهم مبادئ الحرية الإنسانية ومنصوص عليها في كل دساتير دول العالم الحر دون استثناء، حريات الضمير هناك واقع ممارس وليست نصوصاً ديكورية في الدستور مسطرة به، بينما قوانين الدولة ترمي بها بسلة المهملات العامة كما يحدث في الكويت، سواء في بعض مواد قانون الجزاء والقوانين التالية كقانون المدونات وغيرهما. الزميل أحمد باقر في مقاله أمس يستغرب الهجوم والانتقاد للمؤيدين لوثيقة القيم، فعنده «... كل ما قام به المرشحون الموقعون على وثيقة القيم هو الإعلان عن توجههم وبرنامج عملهم في حال نجاحهم بالانتخابات...»، ويستغرب الزميل من مواقف المعارضين للوثيقة الذين ينادون بحرية التعبير بينما هم ينكرونها على الغير.هي بالتأكيد ازدواجية بالمواقف إذا كان المؤيدون أو المعارضون ينكرون على بعضهم البعض ممارسة حق التعبير بخصوص هذه الوثيقة تأييداً أو رفضاً، لكن بالنسبة للمرشحين المؤيدين للوثيقة الموضوع مختلف تماماً، فهم ليسوا بشراً عبروا عن قناعاتهم بتأييد هذه الوثيقة فقط، هم قد يصبحون نواباً يمثلون الأمة، وهم بهذه الصفة الأخيرة يشرعون مضامين الوثيقة ويحيونها بنصوص قانونية ملزمة، هنا لا تعد مسألة حرية تعبير، وإنما مسألة قمع سلطوي فاشي للتعبير لأبسط حريات الفرد الخاصة.
هنا التشريع يفرض على المخاطبين لأحكامه أن يكونوا عبيداً لا حول لهم ولا قوة، فهو يملك سلطة القهر القانوني، قهر يمنع الفرد من التصرف بجسده، يفرض عليه ولاية آخرين هو مختلف معهم جملة وتفصيلاً في رؤيتهم لواقع الحياة وقضية تطور السلوك الإنساني عبر الزمان - المكان. ما شأنك أيها المشرع إن وشم زيد أو عبيد أي جزء من جسده؟ وما شأنك إن حضرت حفلة فنية واستمتعت بالموسيقى راقية أو هابطة؟ تلك أذني وذوقي فلماذا تحشر أيها المشرع أمرك فيه؟ ما شأنك أيها المشرع إن صدقت «بخرافة» الطاقة أو أنكرتها؟ فكم من الخرافات تناقض العلم وقوانين الفيزياء وبيولوجيا التطور مفروضة على الناس في بلادنا، ويحظر على الناس ليس تدريس تلك العلوم التي تقوم على التجربة والاستدلال المنطقي في المدارس وإنما مجرد التفكير بها والتعبير عنها... هناك الكثير والكثير من الطوطم والمحرمات مدونة بنصوص ملزمة في قوانين معظم دولنا العربية، فلم قصر مسألة «الخرافة» في موضوع الطاقة فقط؟وثيقة القيم ليس بها أي قيم إنسانية تحترم خصوصيات البشر وحرياتهم لو كانوا قلة، هي ورقة سقطت سهواً من جلابيب دعاة الدولة الدينية، وهي دولة فاشية مرعبة يراد فرضها على المواطنين والمقيمين.من حق أي فرد أن يؤيد أو يخالف هذه الوثيقة، لكن تبنيها وفرضها عبر نواب المجلس ذلك ما نختلف فيه مع الزميل أحمد باقر.