عشية يوم الأحد 11 سبتمبر، أعلنت معظم مناطق أوكرانيا حالة تأهب عامة بعد إطلاق مجموعة كبيرة من الصواريخ الدقيقة من الأساطيل الروسية في البحر الأسود وبحر قزوين.هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها هذا النوع من الهجوم خلال الحرب، لكن الفرق هذه المرة يتعلق بإقدام المعتدين على استهداف البنية التحتية المدنية وضربها عمداً، فخلال ساعة، انقطع التيار الكهربائي في عدد من المناطق بعد انتشار تقارير حول وقوع انفجارات وحرائق متفرقة، وغرقت منطقتا خاركيف ودونيتسك في عتمة شاملة، كذلك انقطعت المياه، وتوقف مترو خاركيف عن العمل، واحترق عدد من حافلات الترولي في بولتافا بسبب التقلبات في التيار الكهربائي.
كانت حملة قطع الكهرباء عن معظم المناطق الأوكرانية تهدف في الأساس إلى إرضاء منتقدي بوتين الذين يطالبون بتحرك «حاسم»، حتى لو كان عابراً، ومن دون توجيه أي تحذير مسبق.برأي البعض، كانت هذه الفوضى التي انتشرت في أوكرانيا المجاورة منتظرة منذ وقت طويل، وفي هذا السياق، يقول صاحب المدونة أندريه مدفيديف، وهو الشخص الذي يقتبس التلفزيون الروسي آراءه في معظم الأوقات: «ألا يملكون محطات لتوليد الطاقة في أوكرانيا؟ أو محطات فرعية؟ أو محطات نووية؟ لا يُعقَل ألا يعرف المعنيون مواقع هذه المحطات، من واجبنا على الأرجح أن نعطيهم تلميحاً حول مكان وجودها».بالنسبة إلى المسؤولة عن الحملات الدعائية الروسية، مارغريتا سيمونيان، تشكّل تفجيرات البنية التحتية الأخيرة تهديداً طال انتظاره، فاقتبست على «تويتر» كلام شاعر روسي معروف حول «إبقاء الضوء مشتعلاً»، وسألت الأوكرانيين بأسلوب ساخر: «ما وضع الضوء لديكم، يا جيران»؟يبدو أن المسؤولين المعنيين الذين تكلم عنهم مدفيديف تأثروا بموقفه، مع أن خطاب الكرملين حول اعتبار الروس والأوكرانيين «شعباً واحداً» أصبح سخيفاً اليوم بدرجة غير مسبوقة، وفي هذا الإطار، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للروس عبر «إنستغرام» منذ أيام: على غرار جرائم القتل في «بوتشا» في أبريل الماضي، من المتوقع أن تُضعِف هذه الاعتداءات أي تقدّم نحو التفاوض، حتى أنها قد تسرّع وصول المعدات التي ينتظرها الجيش الأوكراني منذ وقت طويل، أي صواريخ «أتاكمز» لمنظومة «هيمارس» (أكّد قائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني على قدرة هذه المعدات، التي يبلغ نطاقها 300 كلم، على تدمير قناعة الروس باستمرار إفلاتهم من العقاب إلى ما لا نهاية، واعتبرها نقطة تحوّل حاسمة في الحرب).قد تقع اعتداءات روسية أخرى ضد البنى التحتية المدنية، أو حتى «مراكز صنع القرار» في كييف، في مناسبات خاصة، وقبل أن نتوقع حصولها، وفي هذه الحالة، قد يردّ الأوكرانيون عبر ضرب أهداف إضافية في شبه جزيرة القرم أو حتى داخل الأراضي الروسية، مع أن الغرب كان قد اعترض على هذه الخطوة سابقاً، ومن المتوقع أن يعتبر الكرملين هذه العمليات كلها «انتهاكاً لقواعد السلامة من الحرائق»، الأهم من ذلك هو أن يفكر الغرب مجدداً «بإغلاق المجال الجوي» فوق أوكرانيا، ولو من خلال زيادة الأنظمة المضادة للصواريخ.في ما يخص بوتين، تُعتبر تعليقاته الأخيرة خطوة خطيرة ومستجدة في هذا الصراع، حيث يروي الصحافيون منذ فبراير الماضي قصة مفادها أن الرئيس الروسي واجه في شبابه جرذاً هاجمه بوحشية بعدما أصبح الحيوان محاصراً، يقول بوتين إنه تعلّم في ذلك اليوم أهمية ألا يصبح أحد محاصراً لأن الوضع قد يصل حينها إلى أسوأ النهايات.لكن من الواضح أن بوتين أصبح محاصراً هذه المرة بين مطالبات المتشددين وضعف قوته العسكرية، فقد كان موقفه الأخير أول خطوة تُمهّد لبدء مرحلة خطيرة وجديدة، لكن لم يتّضح بعد الفريق الذي سيتضرر من هذه المستجدات.* ساشا لينسكي
مقالات
بوتين محاصر من كل اتجاه
21-09-2022