صحوة الإمبراطورية في اليابان؟
يغفل الكثيرون عن اليابان في معظم النقاشات المتخصصة حول سياسة القوة العظمى المعاصرة، إنها نزعة تحليلية مبررة، نظراً إلى الدور الضمني والثانوي والبسيط الذي اضطلع به اليابانيون طوال عقود بعد هزيمتهم الساحقة في الحرب العالمية الثانية، لكن قد تكون المظاهر خادعة أحياناً، إذ يكشف أي تحليل دقيق أن الدور الياباني المتوقع في المستقبل القريب قد يزداد تأثيراً على علاقات مختلف القوى في حوض المحيط الهادئ وأماكن أخرى على الأرجح، بعبارة أخرى يبدو أن اليابان، رغم «سباتها» الطويل وتعدد مشاكلها الشائكة، مثل التراجع السكاني الحاد، لم تبلغ حقبة الاندثار بعد.بقيت قوة اليابان الوطنية غير مستغلة لفترة طويلة، لكن قد يتغير هذا الوضع إذا قررت الدولة اليابانية أن الوقت حان للاضطلاع بدورٍ أكثر قوة واستقلالية، ففي النهاية، تملك اليابان ثالث أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، وينتج المجمع الصناعي العسكري فيها أسلحة متطورة، ويتكل البلد على قوات بحرية قادرة على استعراض قوتها إقليمياً، حتى أن اليابان أصبحت مخوّلة للاستفادة من المنافع الاستراتيجية والعسكرية والتجارية «للثورة الصناعية الرابعة»، كذلك، تتمتع اليابان بخبرة تقنية واسعة لتطوير برنامجها النووي الخاص، وفي عالمٍ تشوبه الشكوك، حيث أصبح الاعتماد المتبادل سلاحاً بحد ذاته وتكثر التقلبات المالية والاضطرابات الاقتصادية المنهجية، بات استمرار الوصول إلى الأسواق الاستهلاكية الدولية وتأمين الموارد الطبيعية على رأس أولويات الأمن القومي الياباني، ولا يمكن الاتكال على الجهات الخارجية لتلبية هذه الحاجات.بعيداً عن الشعارات الرنانة، لا تتقاسم اليابان المبادئ المجرّدة المنسوبة إلى النموذج الغربي المزعوم الذي يقوم عليه النظام العالمي الليبرالي، أو الرؤية العالمية التي تتبناها «المجتمعات المنفتحة»، إذ يسهل أن يحمل البعض رأياً معاكساً لأن طوكيو كانت ذكية وبراغماتية بما يكفي لحصد منافع ملموسة من حقبة «السلام الأميركي»، بما في ذلك الاستفادة من المظلة النووية الأميركية ومن الممرات المائية المفتوحة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لكن يظن الكثيرون في الطبقة السياسية اليابانية أن إعادة إحياء تقاليد الإمبراطورية اليابانية هي أفضل خطة لتمكين البلد من أداء دور مؤثر داخل النظام الدولي. كان شينزو آبي الممثّل السياسي لهذه الفكرة، فعملياً، لم تختفِ الإيديولوجيا العدائية التي شجّعت اليابان على إطلاق مسار الحرب في القرن العشرين يوماً، بل أصبحت النزعة القومية اليابانية المتشددة خامدة بكل بساطة، وهي تنتظر من يوقظها، فالظروف الراهنة إذاً تشكّل فرصة مناسبة لتنفيذ هذه الأجندة، وتتعدد المؤشرات التي تؤكد هذا التوجه المحتمل، منها إعادة تنشيط الجيش الياباني، وتكاثر العمليات العسكرية المشتركة مع الشركاء الاستراتيجيين، وزيادة نفقات الدفاع.
تمكنت اليابان من تبنّي سياسة مريحة ومبنية على الإهمال الحميد خلال الحرب الباردة لحصر تركيزها بقطاع الأعمال والتجارة، لكن الظروف التي كانت تبرر الحفاظ على الوضع القائم في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ (بفضل الوجود الأميركي القوي هناك) بدأت تتلاشى مع مرور الوقت. لقد أصبح الاستقرار الإقليمي وتعريف ميزان القوى العالمي على المحك، وفي الوقت نفسه، أصبحت المشاريع التعديلية الطموحة قيد التنفيذ في أجزاء متنوعة من العالم، ولهذه الأسباب، لم يعد اليابانيون يستطيعون الاتكال على النظام الدولي الذي يزداد هشاشة وخطورة وعدائية وصدامية، حيث تتكاثر مظاهر الصراع في مجالات متعددة، ومن الواضح أن هذه الظروف الداروينية، وحملات القوى الجيوسياسية المدروسة، والقوة الأسطورية التي تحملها الشخصية الوطنية اليابانية الملتزمة بتقرير مصيرها بنفسها، بدأت توقظ قوة عظمى انشغلت في الفترة السابقة بمراقبة مسار الشؤون العالمية من الهامش، وبعد انتهاء الجمود التاريخي الذي طَبَع الحقبة السابقة، أصبحت عودة اليابان إلى عالم السياسات العليا، بصفتها شريكة أساسية وواثقة بنفسها، مسألة وقت، لكن لا يستطيع أحد أن يتوقع أداءها في هذه اللعبة الوحشية. * خوسيه ميغيل ألونسو ترابانكو