تصحيح الممارسات والسوابق البرلمانية الخاطئة
أمام مجلس الأمة القادم ورئيسه ومكتبه مسؤولية تاريخية للقيام بتصحيح بعض الممارسات والسوابق البرلمانية الفاسدة التي قامت بها المجالس السابقة منذ عام 1981، وهي ممارسات انتهكت أحكام الدستور أو القوانين أو اللائحة الداخلية، ولعلّ تصحيح مسار المشهد السياسي يتطلب ذلك، ليقوم الأعضاء القادمون بتصحيح الممارسات والسوابق حفاظاً على استقلالية المجلس وتوازن سلطاته وهيبته ومهامه الرقابية والتشريعية. وسنذكر في هذه المقالة بعضاً من هذه الممارسات والسوابق لوضع كل نائب أمام مسؤولياته التاريخية، ومن ذلك أن الاستجوابات قد شابتها ممارسات فاسدة، منها أن يُحوّل الاستجواب للجنة الشؤون التشريعية أو للمحكمة الدستورية بالرغم من أنه موضوع سياسي محاولة لوأد الاستجواب باللجوء لهاتين الجهتين خلافاً للدستور، ومن ذلك مناقشة الاستجوابات في جلسة سرية، فالاستجواب مساءلة لوضع الوزير على محك المسؤولية تحت سمع ومرأى الرأي العام، فإذا نوقش في جلسة سرية، فهو حجب للرأي العام عنه، وتغييبه عن رقابته العامة، وهو أمر يتنافى وطبيعة الاستجواب، ومن ذلك تأجيل الاستجواب إلى أجل غير مسمى بسابقتين حدثتا في مجلس الأمة، وكلتاهما فاسدة، فالأولى قررت إمكان تأجيل الاستجواب لأجل غير مسمى، وهي مخالفة للدستور، والأخرى قررت تأجيل الاستجوابات بالجملة لفترة طويلة بما في ذلك الاستجوابات المزمع تقديمها أي التي لم توجد بعد، وهذه ممارسات وسوابق فاسدة لا يجوز الاستناد إليها ولا التعويل عليها، ومنها أن يتضمن الاستجواب عبارات غامضة ومقتضبة بما يتنافى والاستجواب الذي لا بد أن يكون بوقائع محددة وأن تكون واضحة ومنضبطة، حتى يكون ذلك أساساً لإمكانية استعداد الوزير وردّه، ومن ذلك ورود عبارات التجريح في الاستجوابات خلافاً للائحة، وكان على رئاسة المجلس أن تستبعد الاستجواب أو العبارات وفقاً للائحة، ولكن المجاملات بين الأعضاء أوجدت هذه الممارسة الفاسدة، ومن ذلك مناقشة الاستجوابات في جلسة واحدة حتى يتملل الأعضاء ويتم «سلق» الرقابة البرلمانية. ومن السوابق الفاسدة غياب الأعضاء واعتبار مجرد إخطار العضو عذراً مقبولاً، وهو ما أدى إلى تفشي ظاهرة الغياب عن الجلسات وعن اللجان. ومن ذلك أيضاً قيام مجلس الأمة بإعادة التصويت على القوانين دون مبرر، وبصورة تحكمية لتغيير اتجاهات الأغلبية، ومنه أيضاً أن يكون التصويت بطريقة غامضة وغير مفهومة، وهو ما تصدّت له اللائحة بأن يتحول التصويت من رفع اليد إلى المناداة بالاسم لدرء الشك باليقين، ومن الممارسات أيضاً تقدم الأعضاء بالعديد من المقترحات بقوانين بأعداد كبيرة ومبالغ فيها، وأكثر من ثلثيها متكرر، إذ إن القصد منها التكسب السياسي وإظهار بطولات شخصية، وهي مسؤولية مكتب المجلس لرفض المتكرر منها وتقليصها ومنع تقديمها بهذه الطريقة، ولو تم ذلك لنجحت لجنة الأولويات ومكتب المجلس في الماضي للقيام بمسؤولياتهما، ولكان مجلس الأمة أكثر إنتاجية في أدائه وجدية في أعماله.
ومن ذلك تفرّد رئيس المجلس ببعض القرارات بالتحكم بعرض موضوعات ضمن جدول الأعمال وهي لا تدخل في سلطاته، إذ إن القرار بشأنها لمجلس الأمة كله، فرئيس المجلس ليس هو مجلس الأمة، بل للمجلس عزله كما انتخبه، ومن ذلك أيضاً رفع رئيس المجلس للجلسة أو تأجيل انعقادها أو الاتفاق على فضّ دور المجلس دون إشراك المجلس وهي سلطة للمجلس وليست للرئيس، ومنها عدم عرض رئيس المجلس لاستقالة أحد الأعضاء على المجلس لاتخاذ قرار بشأنها، ومن ذلك تغيير نمط جلسات مجلس الأمة من أسبوعية إلى كل أسبوعين بالرغم من أن الدستور واللائحة الداخلية بُنيت مواعيدها على أساس أسبوعية الجلسات، مما أوجد تناقضاً غير مبرر، ومنها تعيين 15 سكرتيراً لأعضاء المجلس بقصد الإرضاء وكسب الأعضاء ومجاملتهم وهي ممارسة فاسدة يجب إنهاؤها. وفي ضوء ما تقدم نتمنى من المجلس القادم برئيسه وأعضائه عدم تجاهل ذلك، وتصحيح هذه الممارسات وإلا فإنها ستستمر رغم فسادها ومخالفتها للدستور أو اللائحة الداخلية وستكون سبباً لتشويه العمل البرلماني.