كارثة التعليم... آخر العلاج الكي
في الوقت الذي حضر ممثل سمو الأمير «قمة تحويل التعليم» بالأمم المتحدة، وعرض ما تقدمه الدولة للتعليم، الذي يستهلك 12 في المئة من الإنفاق الداخلي، ويعد من أعلى المعدلات في العالم، نشرت صحيفة «الراي» عرضاً يبدو مختصراً لدراسة بحثية كويتية خلصت فيه إلى أن «الواسطة... سرطان ينخر في جسد التعليم».وصف الواسطة وكذلك ملحقاتها ومرادفاتها، كالمحسوبية والضغوط السياسية وتدخلات أولياء، بالسرطان صحيح وتعبير محزن لواقع فاسد، الواسطة بالفعل سرطان في مرحلته الرابعة ينخر بالمجتمع ولا تجدي معه علاجات كيماوية وإشعاعية، حتى البتر بالجراحة قد لا يكون نافعاً فستظل بقايا خلايا سرطانية قد تنتشر في أي وقت.الوعد الذي صدر من سمو ولي العهد نيابة عن سمو الأمير في خطابه الأخير يعد خطوة كبيرة للأمام حين تتعهد الحكومة بوزرائها وقياداتها الإدارية بغلق الأبواب أمام طلاب الواسطة، لكن واقع التركيبة الاجتماعية للدولة يجعل مثل هذا الأمر صعباً إن لم يكن مستحيلاً، فالدولة التي قامت أسسها على العلاقات الأسرية - العشائرية تصبح فيها الواسطة هي النهج السرطاني غير القابل للشفاء، فمثلاً نسأل: ما هي معايير اختيار الوزراء والوكلاء وكل القياديين بالدولة؟ وما مدى ترابط الواسطة مع حالة الريع الاقتصادي حين يكون الدخل العام للدولة وللأفراد بالتبعية وليد صدفة الثروة الطبيعية وليس ناتجاً عن عمل منتج يضيف إلى فائض القيمة؟
بالنسبة للتعليم، لدينا كارثة، لا يمكن حلها بلجان ودراسات لن تجد مكانها على صعيد التنفيذ، فلا جديد حين يقال إن بمقدار ما تنفق عليه وهو الأعلى في العالم كان المردود لهذا الاستثمار الإنساني هو الأسوأ، طلاب وطالبات حصلوا على درجة مئة في المئة في أيام كورونا، لم يكونوا اثنين أو ثلاثة، بل عدة على ما أذكر، نسبة نجاح مرتفعة بكل المقاييس، فقد تحول الكثيرون إلى معجزات فكرية.مناهج قائمة على الحفظ والتلقين تمنع التفكير الحر الجدلي، وتحرم دراسة الفلسفة، وهي أم العلوم، الموسيقى أيضاً كأداة ارتقاء بالذوق الإنساني منسية ومهملة... لن تكفي كلمات المقال لوصف فساد التعليم ومرض الواسطة السرطاني المتمثل فيه، يكفي أن نذكر أن وزيراً سابقاً للتعليم قد صرح مرة للإعلام بأنه بتوقيع واحد وافق فيه على تعيين ستة آلاف موظف بوزارته، ويا خيبة.التعليم الجيد هو آخر المطاف لإنقاذ البلد من أزمات الغد، هو الاستثمار الحقيقي، ولنكرر أنه لا جدوى من الدراسات واللجان التي ستخلد للنوم العميق بأدراج النسيان في مكاتب أصحاب السعادة، مطلوب هدم هذه المؤسسة التعليمية وقلع جذورها تماماً، ووضع أسس جديدة لنهضة التعليم ولو بالاستعانة بخبرات أجنبية ومحلية، قضية صعبة لكن ليست مستحيلة إن تقبلت السلطة تكلفتها السياسية، يقولون آخر العلاج هو الكي.