بقايا خيال: ورقة «وثيقة القيم» الذابلة
«وثيقة القيم» ظاهرها جمع كلمة الكويتيين، وباطنها رفض لما اجتمع عليه الكويتيون حول دستور 1962، أليس في ورقة «وثيقة القيم» الذابلة نفاق سياسي من صنع متأسلمين يناقضون ما جاء في الدستور؟ ألا يثبت المنتمون إلى تيارات الإسلام السياسي، أو المتأسلمون، أنه لا يمر يوم إلا وأكدوا لنا أنهم أكثر الناس مخالفة لمواد دستور دولة الكويت، ولا يمر علينا فصل تشريعي إلا وكانت هذه الفئة أكثر الناس تشبثاً، ظاهرياً على الأقل، بهذا الدستور يستخدمونه في الانتخابات البرلمانية وسيلة لتحقيق غاياتهم الخاصة؟ ألا يعرف الكويتيون أنه إيمان بكتاب سياسي «لما يدخل في قلوبهم»، لأنهم أكثر فئات الشعب خرقاً لمبادئه؟ ألم يسجل لهم تاريخنا خروقات لمبادئ الدستور في حال وصولهم إلى قبة عبدالله السالم؟ فهذا ما حصل مع نواب التأسلم عندما حاولوا أن يبتدعوا قسماً يؤدونه داخل قاعة عبدالله السالم، غير القسم المتعارف عليه في الدستور، فكانت محاولة فاشلة لسن عرف جديد مخالف للمادة 91 من الدستور، ولو تحقق لهم ذلك لتمادوا بالتلاعب في بقية مواد الدستور ليتمكنوا من طمس ملامحه وإلغائه، أقول هذا لأن أي فئة ضالة عن سبيل دستور دولة الكويت لا يمكن لها أن تتوقف عند هذا الحد، فقبل أكثر من أسبوع وزعت مجموعة من المتأسلمين منشورا أطلقوا عليه «وثيقة القيم»، التي ذكرتنا بقصيدة التي قيلت في مدح أحد الخلفاء:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ التي كان أولها كفرا صريحا، فهذه الوثيقة عبارة عن شهادة تثبت رفضهم لكل ما جاء في دستور دولة الكويت، حتى إن ادعى البعض منهم أنها لصالح الكويت والكويتيين. طائر المردم الذي يظهر في فصل الربيع، يضرب به المثل في سوء التصرف، لأنه «يضيع بشربة ماء»، ويستصعب الخروج من «الليوان» إذا دخل فيه، ولهذا يقول الكويتيون «المردم تفلته الصلابة ويتعلق فيها»، بمعنى أن «المردم بسرعة ينصاد» للدلالة على كشف ادعاءات الشخص بسهولة، فبعض الإسلاميين وإن ادعى إيمانه بالدستور، فهو إيمان ببعض ما جاء فيه، لأنه منذ الظهور الأول لتيارات الإسلام السياسي على مسرح الأحداث، حاولوا تقطيع دستورنا إلى أشلاء، حتى وإن أقر الدستور في مادته الثانية بأن دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع. وإلا فبماذا يفسر أصحاب الوثيقة مناقضة وثيقتهم لبقية ما جاء في هذا الدستور من مواد مثل الحرية الشخصية المكفولة، وحرية الاعتقاد مطلقة، وحماية الدولة لحرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، وأن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وأن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وأن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين؟ وما الجديد الذي أضافوه سوى فرض الوصاية على المجتمع بكل مكوناته بطريقة استبدادية تطفح بدكتاتورية الإسلام السياسي؟