في ظل استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، يتكل الكرملين على دعم مجموعة من أخطر القوى اليمينية المتطرفة في البلقان، ففي أبريل 2022، نزل آلاف الصرب إلى شوارع بلغراد احتجاجاً على دعم حكومتهم لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد غزو أوكرانيا، وخلال ذلك التجمّع، لوّح المتظاهرون بالأعلام الروسية والصربية وهتفوا بشعار «الصرب والروس إخوة إلى الأبد»! كان الاحتجاج الذي شهدته العاصمة الصربية من تنظيم جماعة «دورية الشعب» اليمينية المتطرفة وزعيمها دمنجان كنيزيفيتش الذي نظّم أيضاً مسيرات أخرى موالية لروسيا، وبعد مرور بضعة أسابيع، سافر كنيزيفيتش وزعيم آخر من الجماعة نفسها إلى روسيا، وأمضيا هناك أسبوعاً كاملاً بعد تلقيهما دعوة من بعض المنظمات الإعلامية الروسية، بما في ذلك منظمة يرأسها شريك بوتين المعروف، يفغيني بريغوجين.
يظن عدد كبير من الصرب أن روسيا تحمي صربيا ومصالحها منذ وقت طويل، وأن البلدين يتقاسمان الجذور السلافية نفسها، ويشعر الشعب في روسيا وصربيا بأن الغرب يُشَيْطِنه.بريغوجين هو محكوم سابق وشخص مقرّب من بوتين يخضع للعقوبات الأميركية، حتى أنه مطلوب من مكتب التحقيقات الفدرالي بسبب دوره المزعوم في تدخّل روسيا في الانتخابات الأميركية لعام 2016، وقد كسب بريغوجين مليارات الدولارات بفضل عقود روسية حكومية، ويقال إنه يسيطر على شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة والمتورطة في جرائم حرب مزعومة في إفريقيا وأوكرانيا.يخطئ من يتجاهل العلاقات بين روسيا واليمين المتطرف في صربيا ويعتبرها بلا قيمة أو لا تستحق الانتباه، كما حذرت منظمات حقوق الإنسان، في وقتٍ سابق من هذه السنة، من توسّع نفوذ التطرف اليميني في صربيا، وكان يُفترض أن تُقام مسيرة «يورو برايد» الدولية لدعم المثليين في بلغراد خلال هذا الشهر مثلاً، لكن أطلق معسكر اليمين المتطرف هناك سلسلة من التهديدات العنيفة ثم أعلن الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، إلغاء الحدث، وفي غضون ذلك، من المنتظر أن تجري انتخابات في البوسنة والهرسك في أكتوبر المقبل، علماً أن الاضطرابات القومية هناك تُهدّد بتفكيك البلد.كذلك، قد تحصل انتخابات جديدة قريباً في مونتينيغرو التي انفصلت عن صربيا عام 2006، فلا يزال هذا البلد غارقاً في الخلافات بسبب هويته الوطنية، وهو منقسم بين سكان مونتينيغرو الداعمين للاستقلال، ومجموعة تعتبر نفسها صربية وتريد التقرب من صربيا المجاورة، ولا يزال التوتر مع كوسوفو، التي أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008 وتشمل أقلية صربية صغيرة، أكبر نقطة خلافية في المنطقة. بعبارة أخرى، يُعتبر الوقت مناسباً كي يُسبّب اليمين المتطرف في صربيا المشاكل، ويستطيع هذا الفريق أن يتكل على أصدقاء له في روسيا لتلقي المساعدة التي يحتاج إليها.سبق أن بدأت روسيا تقدّم هذا النوع من المساعدات، ففي فيلم وثائقي بثّته شبكة «آر تي» حديثاً باللغة الإنكليزية، حصل كنيزيفيتش وشخصيات صربية يمينية متطرفة أخرى على منصة مناسبة للتعبير عن آرائهم بلا رادع، وقال ميشا فاتيتش، يميني متطرف يقال إنه على صلة بالرئيس فوتشيتش وحزبه التقدمي الصربي الحاكم منذ وقت طويل: «مثلما تعمل روسيا على تحرير العالم الروسي عبر اجتثاث النازية ونزع الأسلحة، من حقنا نحن الصرب أن نخلق عالمنا الصربي أيضاً عبر إطلاق عمليات خاصة».نحن نتجاهل اليمين المتطرف في البلقان ونجازف بذلك بمواجهة تداعيات خطيرة، إذ ترتكز الأيديولوجيا هناك على الأحقاد التي أطلقت حروباً كانت كفيلة بتفكيك يوغوسلاغيا خلال التسعينيات، لكن يجد هذا الفكر اليوم من يُشجّعه ويدعمه حول العالم، بما في ذلك روسيا. هذه الظاهرة ليست مستجدة، فقد زعمت وزارة الخارجية الأميركية في وثيقة مسرّبة حديثاً أن روسيا أنفقت 300 مليون دولار منذ عام 2014 لمحاولة التأثير على السياسيين وشخصيات أخرى حول العالم، بما في ذلك البلقان. قد لا تكون روسيا مسؤولة عن إشعال هذه النيران، لكنها لا تتردد في تأجيجها.* مايكل كولبورن
مقالات
بوتين يعوّل على أصدقائه في البلقان لمتابعة حربه الدموية في أوكرانيا
25-09-2022