في وقت واصلت السلطات الإيرانية عرقلة وقطع خدمات الإنترنت بشكل واسع مع اعتماد أساليب مختلفة للتغلب على الأزمة المتصاعدة التي تهدد بتصدع النسيج المجتمعي، دخلت الاحتجاجات في مدن إيرانية مختلفة يومها التاسع، أمس، فيما أظهرت مقاطع فيديو وتقارير ميدانية أن الشباب الإيرانيين أصبحوا أكثر جرأة في التعامل مع السلطات الأمنية التي تسعى لاحتواء وقمع الانتفاضة ضد النظام.وحافظت موجة الاحتجاجات على حيويتها نسبياً، وخرجت مسيرات ليلية في عدة مناطق رئيسية من بينها العاصمة طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وكردستان وكرج، فيما سيطرت الأجواء الأمنية على معظم المدن بجنوب وغرب البلاد.
وتحدثت المعارضة عن ارتفاع عدد القتلى جراء الاضطرابات إلى 140 شخصاً فضلاً عن إصابة المئات.واتسعت رقعة تأييد الحركة الاحتجاجية، لتضم في صفوفها داعمين لها من كتاب وصحافيين ورياضيين وأخيراً السينمائيين.وأصدر عدد من السينمائيين الإيرانيين بياناً موجها لقوات الأمن، يحمل عنوان «ألقوا بنادقكم أرضاً»، مطالبين قوات الأمن بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين. وحضّ المخرج الإيراني العالمي أصغر فرهادي، الحائز جائزة أوسكار مرتين، الناس في جميع أنحاء العالم على «التضامن» مع المتظاهرين وأشاد بـ «النساء التقدميات والشجاعات اللواتي قدن الاحتجاجات من أجل حقوقهن الإنسانية إلى جانب الرجال».
مسيرات موالية
في المقابل، خرجت مسيرات حكومية حاشدة بعدد من المدن رفضاً لما وصف بـ «أعمال الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة».وعلى خطى الرئيس الأصولي المتشدد، إبراهيم رئيسي، دعا رئيس السلطة القضائية غلام حسين ايجئي، إلى التعامل بقوة مع وحزم ودون تهدئة مع «العناصر الرئيسية للاضطرابات».ومع سعي السلطات لتكريس إلصاق اتهامها للمحتجين بـ «العمالة لمصلحة دول معادية»، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفيري بريطانيا والنرويج، بسبب «الطبيعة العدوانية» لوسائل الإعلام الناطقة بالفارسية التي مقرها لندن، ولطلب إيضاح من النرويج بشأن «موقف ينطوي على تدخل» من رئيس البرلمان في بلاده في شؤون إيران. وتزامن ذلك مع إلقاء زجاجة مولوتوف، على السفارة الإيرانية في أثينا. وجاء ذلك بعد أن شهدت العاصمة اليونانية تظاهرة منددة بمقع إيران للمتظاهرين.جرأة ووحشية
وبينما تعهد المبعوث الأميركي الخاص روبرت مالي بتسهيل الولايات المتحدة ومساعدة الإيرانيين على التواصل مع بعضهم عبر الإنترنت، رفضاً «لتعامل النظام الإيراني الوحشي ضد المتظاهرين السلميين»، رأت شبكة «سي إن إن» الأميركية، أن الشباب في إيران ينتفضون ضد عقود من القمع.وجاء في تقرير للشبكة: «بينما اشتعلت المظاهرات في البداية نتيجة وفاة أميني، فإن المطالب الأولية بالمحاسبة تحولت إلى مطالب بالمزيد من الحريات والحقوق، خاصة بالنسبة للنساء، اللائي يواجهن قيوداً حادة على حقوقهن وتفرقة أمام الرجال، منذ الثورة الإسلامية عام 1979».وأشارت إلى أن «مطالب تغيير النظام ترتفع، حيث يهتف مواطنون الموت للدكتاتور، ويمزقون صور المرشد الأعلى علي خامنئي». وبينت أن ذلك يحدث في الوقت الذي تواجه القيادة المتشددة الإيرانية ضغوطاً متصاعدة في ظل مباحثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والحالة الاقتصادية المتردية للبلاد الواقعة تحت العقوبات الأميركية، إذ يعاني الكثير من الإيرانيين لمواجهة الارتفاع الكبير في التضخم».وحذر محللون من أن الحكومة الإيرانية ستتحرك على الأرجح لاحتواء الاحتجاجات باللجوء إلى الأساليب القاسية التي استخدمتها في الماضي. وتحدثوا عن رصد مؤشرات على أن «حملة قمع وحشية مقبلة»، إلى جانب قيود على الإنترنت بمستوى غير مسبوق منذ عام 2019». على صعيد منفصل، كشف وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أمس، من نيويورك، عن إرسال الولايات المتحدة الأميركية «رسائل بأنها لديها الإرادة وحسن النية اللازمة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015» خلال الأيام الأخيرة.