صور كثيرة تزين الشوارع بشعارات تبدو مغرية جدا خاصة للمراقبين الأجانب، هي الانتخابات البرلمانية في البحرين والكويت، وهي الاستعدادات لها حيث تبدأ الخيام هنا وهناك وجلسات يقوم فيها المرشح بشرح برنامجه الانتخابي أو ما يريد أن يقوم به من إنجازات، وهي بالطبع كلها للناس كل الناس دون انحياز أو تمييز!! بعضهم أعلن عبر حساباته المتعددة على وسائط التواصل عن نزوله «حلبة» المنافسة «تحت رغبة الناس» أو ربما استخدم أو استخدمت كلمة الجماهير للتذكير بمرحلة تصورنا جميعا في كل هذه المنطقة المنكوبة أنها آخر دول العالم التي تصارع من أجل المشاركة الحقيقية أو هي الدول الوحيدة التي لا تشكل الصناديق ولا الانتخابات أي شكل من أشكال المشاركة بعد أن وجهت تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، النقد لانعدام المشاركة الشعبية في صياغة السياسات والتشريعات بل حتى في أن تكون هناك فضاءات لسماع أصوات الناس بعيدا عن الاستفراد بالقرار، خاصة أن الإعلام أصبح بعضه أو ربما معظمه في أيدي القلة القريبة ممن يحكم أصلا!يمر المواطن المتعب من طول أيام رزقه جريا خلف مصروفات تزداد في حين المدخول هو هو أو ربما يتقلص بعض الشيء، هو المواطن نفسه الذي طفح به الكيل مؤخراً حتى أصبح «يفش غله» عبر نشر رسائل متقطعة ما تلبث أن تتحول إلى «ترند» أو أن تتم متابعتها وإعادة نشرها من قبل الآلاف، هؤلاء المواطنون المدعوكون لا يرون في البرلمانات أي شكل من أشكال التمثيل أو المشاركة، بل هم ربما في كثير من الأحيان لا يطمحون للمشاركة، وكل ما يأملونه أن يسمع صانعو القرار صوت أوجاعهم لا شكاواهم، ألم يقل ذاك المسؤول الكبير يوما إن المواطنين كثيرو الشكوى و«لا يحمدون الله» ولا يشكرونه على ما تقدمه لهم حكوماتهم من خدمات لا أول لها ولا آخر، هم ربما يشيرون إلى مراحل سابقة عندما خير الخليجي بين المشاركة في الحكم أو توفير الخدمات المجانية في حقبات النفط الأولى، سنوات الملح التي لم تدم طويلا والتي لم تكن برضاء الكثيرين أو تمثل بعضاً من طموحات المتعلمين والمطلعين على مسارات الديموقراطيات الحديثة،
منذ بضع سنين تخلت الدولة عن مسؤولياتها وأصدرت الضريبة خلف الأخرى وقلصت نفقاتها ودعمها للأسر المحتاجة وزادت أسعار الخدمات الأساسية حتى «غص» المواطنون بها، ولم يعد أمامهم كما إخوتهم في الدول العربية غير النفطية سوى أن يلهثوا من الفجر حتى الغروب بحثا عن لقمة عيش كريمة غير مغمسة بالذل أو قلة الكرامة. وكان أن حسد بعضهم بعضا على وجود برلمانات لديهم إلى أن انكشف السر، وهو أن تلك البرلمانات ما هي إلا مجالس صوتية في أحسن حالاتها أو هي جزء من توزيع المكارم، وهي السياسة العامة التي تسير عليها هذه الدول لإسكات البعض أو كسب الآخرين حتى الأثرياء، منهم أولئك الذين يطلق عليهم تسمية «التجار» هم الآخرون لهثوا خلف المناصب الوزارية أو في مجالس شورى وبرلمانات صورية جدا لا تمثل أي شكل من أشكال المشاركة أو الديموقراطية الحقة رغم أنه لا اختلاف على أن صناديق الاقتراع ليست هي الديموقراطية الحقة، فهناك تصور خطأ لها إنما هي شكل من أشكال المشاركة في صنع القرار لو سارت بشكل حقيقي من الاستقلالية وفتح الحوارات الجادة في هموم المواطنين أو حتى فئة منهم لكون مجتمعاتنا قد قسمت المقسم، إلا أنها فشلت حتى في ذلك.ينظر ذاك الشاب أو الشابة المتخرجون الجدد الذين حفيت أقدامهم وهم يدقون أبواب المؤسسات العامة والخاصة بحثا عن فرصة عمل، ينظرون إلى تلك اليافطات والمجالس القادمة التي في مجملها تشكل عبئاً على جيبوهم هم أيضا، أليس المواطن من يدفع كل تكاليف المجالس؟ تلك نفسها التي لا تنقل حتى بعض همه إن لم تكن قادرة على نقل همومه؟ وماذا بعد؟ انتظروا مجالس عرجاء أو ربما عمياء لا تشفي ولا تنقذ الغريق أينما كان. يقول ذاك الجالس عند حافة القهوة في خاصرة ذاك الحي الشعبي «ليش ما يسكرونها ويريحوا راسنا وراسهم؟» وفي سؤاله كثير من الحكمة التي لا يعرفها سوى البسطاء من القوم.* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.
مقالات
برلمانات هي ام بالونات صوتية؟
26-09-2022