حفلة زار وليست عرساً ديموقراطياً
لا أعرف من الذي أطلق على الانتخابات عرساً ديموقراطياً، وكعادة المصطلحات الجذابة، غير الدالة على المقصود، يتم تحويلها إلى واقع ظني، أكثر منه واقعي. ربما كان القصد من إطلاقها التفاؤل بالحدث.فالانتخابات، أي انتخابات، هي محطة للصراع السلمي في المجتمعات، وبالتالي تستخدم فيها كل أدوات الصراع، حتى بعض غير المشروع منها، باستثناء العنف، للحصول على أغلبية الأصوات للمقعد النيابي. ولذلك لا يمكن للانتخابات أن تكون عرساً بأي فهم نريده، خاصة أن طبيعة الحياة السياسية هي الخلاف وليس الاتفاق، والديموقراطية، ووليدها الانتخابات، هما نوع من أنواع تهذيب الصراع، ونقله من حالة العنف، إلى حالة السلم.أما انتخاباتنا فهي منقوصة بالضرورة، الصراع فيها بين أطراف غير متكافئة، فهناك مجاميع وأفراد تملك من التأثير نسبة قليلة، وفي المقابل هناك الطرف الأقوى الذي يملك ويتحكم فيما يزيد على 90% من أدوات القوة في المجتمع، وهي الحكومة، والتي تهيمن عليها الأسرة الحاكمة. وقد جاء دستور 1962 ليؤكد موازين القوة تلك، لمصلحة السلطة، مع بعض التنازلات. وبالتالي يصعب تحقيق تقدم عبر الدستور إلا بالتوافق، وربما يصلح نموذجاً لذلك مجلس 1971، وأي أساليب أخرى للتغيير ستكون خارج نطاق الدستور. الملاحظ أنه خلال أكثر من 60 سنة من قام بتلك «الأساليب الأخرى» كانت السلطة، في 1967 1976و 1986، وأدى الأمر في نهايته إلى انهيارات سياسية ومجتمعية لا حصر لها.
وحيث إن الالتزام بالدستور يعني الصيغة التوافقية، فهنا يكون الالتزام المطلوب من السلطة، بمعناها العام، بتقديم تنازلات لتحريك الأجواء السياسية المسدودة. وها نحن نشهد مؤشرات في هذا الاتجاه منذ الخطاب السامي في يونيو الماضي، والذي كان غير مسبوق، ودافعاً للبناء عليه، وأن يتحول إلى منهج مختلف عما سبق.أما الأجواء الانتخابية الحالية، فقد تحولت لما يشبه حفلة زار، وهي أسلوب في الموروث الشعبي، يستخدمه البعض زعماً بأنهم يخرجون الجن ممن أصابه مس، وتستخدم فيها الطبول والطيران والعبارات الغامضة، من قبل إدارة عموم الزار، ويتعرض المسكين للضرب، والمسح بدم ديك أسود، وتقديم طلبات لأهل «المجني عليه»، حتى يقوم بحركات هيستيرية، ويسقط مغشياً عليه من الإعياء، ويقال حينها إنه قد شفي وخرج الجني، وبالإمكان إسقاط ذلك على بعض الممارسات حالياً.هذه الحالة، وقد كنت أشرت إليها في مقال سابق بعنوان «من الانسداد السياسي إلى الارتباك السياسي»، بسبب الفراغ السياسي، حين بادرت الحكومة بإجراء إصلاحات انتخابية، لم يتوقعها أكثر المتفائلين، محدثة ارتباكاً حاداً في صفوف المرشحين الفاعلين، مما أدى إلى التفاتهم لبعضهم، وهي مرحلة حادة شديدة الوطأة، إلا أنها ستنتهي قريباً. غير أن الأهم هو ما يلي ذلك في الانتقال لمرحلة الإصلاح السياسي، وهي مسألة أكثر تعقيداً من الانتخابات، مهما حمي وطيسها.