تحارب المصانع والشركات والعائلات في أنحاء أوروبا للصمود بعدما ضيّقت روسيا الخناق على القارة عبر وقف إمدادات الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بدرجة قياسية، وإطلاق أزمة اقتصادية حادة بدأت تختبر مستوى التضامن الأوروبي إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا وتؤجج المخاوف من حصول ركود وشيك.في ظل تصاعد الاستياء من ارتفاع فواتير الكهرباء، بدأ التضامن الأوروبي يتلاشى، إنه وضع سيئ لبروكسل وللدعم الأوروبي المستمر لأوكرانيا وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد المعتدين الروس، إذ يتعهد القادة علناً بدعم كييف، لكن قد تُمهّد دعوات المحتجين إلى تكثيف المواقف الحيادية في بلدان مثل جمهورية التشيك لنشوء تصدعات مستقبلية في الوحدة الأوروبية، وتؤيد المجر المنتسبة إلى الاتحاد الأوروبي روسيا منذ اليوم الأول، وبقيت مواقف ألمانيا فاترة منذ البداية. كذلك، نظّم رجال الأعمال الإيطاليون تحركاً في الفترة الأخيرة احتجاجاً على ارتفاع فواتير الكهرباء ولاموا بروكسل، لا بوتين، على أزمتهم. يقول بن كاهيل من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»: «قد تواجه البلدان الأوروبية اختباراً صعباً لإثبات وحدتها السياسية إذا تفاقمت الاضطرابات القائمة، وإذا بقيت الأسعار مرتفعة وتراجع نطاق السوق خلال الشتاء، فلا مفر من تصاعد الضغوط السياسية، وقد يصبح المواطنون تعساء ويلومون الحكومات على مشاكلهم، فتبدأ الحكومات حينها بتطبيق مقاربات مختلفة لتحقيق مصالحها الخاصة، وسيكون الحفاظ على تضامن الاتحاد الأوروبي صعباً في هذه الحالة». مع اقتراب الشتاء، حققت الدول الأهداف التي حددتها في منشآت التخزين، لكن لن تكون هذه التدابير كافية بالضرورة لحماية القارة على مر الشتاء بعد توقف تدفق الغاز الروسي بشكلٍ شبه كامل، حيث سيتوقف وضع الطاقة في أوروبا خلال الشتاء على أحوال الطقس، وحجم الطلب على مصادر الطاقة، وقدرة الدول على تأمين الغاز الطبيعي المسال من بلدان مثل الولايات المتحدة، لاسيما إذا احتاج العملاء الآخرون إلى الكميات نفسها في الأشهر الباردة.
في هذا السياق، تقول حليمة كروفت، مديرة بنك RBC Capital Markets: «إذا كان الشتاء خفيفاً، فمن الأسهل أن يعيش الناس من دون الغاز الروسي، لكنّ الشتاء البارد سيثير استياء الجميع، ولن يكون الوضع سهلاً في أي ظرف، لكن يفرض الشتاء البارد على الناس توفير الطاقة». على صعيد آخر، تكثر المخاطر الأخلاقية في مجال التدفئة أيضاً، فقد تؤدي الجهود الأوروبية الرامية إلى حماية المستهلكين من المشاكل ومعالجة ارتفاع الأسعار إلى إضعاف المؤشرات السعرية التي كانت ستسهم في كبح حجم الطلب.يقول أليكس مانتون، خبير في أسواق الغاز الطبيعي في مجموعة «رابيدان» للطاقة: «من خلال تطبيق التدابير القادرة على معالجة ارتفاع التكاليف على المستهلك، لا مفر من أن تتراجع دوافع المستهلكين لتوفير الطاقة، وهذه المقاربة لا تسمح بتقليص التفاوت الواضح بين العرض والطلب، بل إنها ترفع الطلب في حين يواجه العرض تحديات مستمرة». يبدو أن الاقتصاد الروسي نجا حتى الآن من أسوأ تداعيات حرب الطاقة، فقد استفاد من تحليق أسعار النفط والغاز ومن عائدات تصدير النفط التي يحصدها، لكن على المدى الطويل، حين تجد أوروبا أخيراً موردين بديلين وتخسر روسيا أكبر سوق تصدير كانت تتكل عليه، سيتغير ميزان القوى حتماً. تفتقر روسيا بكل بساطة إلى بنى تحتية كافية لنقل جميع مبيعاتها إلى الصين، حتى لو كان الطلب موجوداً، وفي غضون ذلك، بدأت روسيا «تحرق» غازها الطبيعي بدل بيعه. يقول أنطوان هالف، خبير في شؤون الطاقة في مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا وكبير محللي شؤون النفط السابق في الوكالة الدولية للطاقة: «بدأت روسيا تُخرِج نفسها من الأسواق الأوروبية»، وبالنسبة إلى بلدٍ يحصد أكثر من 40% من عائداته الحكومية من مبيعات الطاقة، سيكون تعطيل أهم سوق تصدير لروسيا خطوة مصيرية، أو حتى لا رجعة عنها، في هذه المرحلة، ومع مرور الوقت، لا مفر من أن يُضعِف هذا الوضع قدرة روسيا على نشر الفوضى. لكن تبقى الأحداث المتوقعة على المدى الطويل مختلفة عن الشتاء المرتقب الذي ينذر بأزمة وقود، ويضيف هالف: «في ما يخص أسواق الطاقة، لا يمكن توقّع أحداث الأشهر القليلة المقبلة لأن هذا الوضع غير مسبوق، ويبدو أننا نسير نحو المجهول».* كريستينا لو
مقالات
بوتين يسحق أوروبا بحرب الطاقة
27-09-2022