منصة الأمم المتحدة العالمية
تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أدوار انعقاد عامة وسنوية، ولكن دورة انعقادها السنوية تمثل حدثا عالميا ومنصة مفتوحة لكل الرؤساء والحكام والملوك والأمراء في العالم، كل واحد يدلو بدلوه بالحديث عن مختلف القضايا، وهو ما يترجم ما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة والتي توكل إلى هذه الجمعية مهمة إعداد دراسات وإصدار توصيات بهدف: «إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء».واعتلى منصة الأمم المتحدة في الدورة 77 للجمعية العامة والتي انعقدت في الشهر التاسع من هذا العام العديد من رؤساء الجمهوريات وكبار المسؤولين السياسيين العالميين ورؤساء الهيئات الرئيسة في بعض المنظمات الدولية، لعرض سياسات بلدانهم، وتطلعاتهم لمستقبل الأمم المتحدة وشعوب القارات، وتقدموا بتوصيات ومقترحات سعيا لإيجاد حلول للأوضاع السياسية والاقتصادية والمناخية، وللخروج من الأزمات التي تعيشها مختلف دول العالم، وذكر العديد منهم بضرورة إصلاح الأمم المتحدة وأنظمة مختلف هيئاتها، وهذا موضوع بمنتهى الأهمية والعجلة أيضا. وحدد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه الدورة، وهو من هنغاريا، الخطوط العريضة للتحديات التي يواجهها المجتمع الدولي والمتمثلة بالعديد من الأوضاع وفي مقدمتها: تغير المناخ، وحماية البيئة، وتعزيز حقوق الإنسان والتي يعد انتهاكها «إشارة إنذار لنا، ودعوة للعمل والتحرك» حسب تعبيره، ولفت رئيس الجمعية النظر وبشكل خاص إلى مشكلة تغيير البيئة، وأكد أن الحلول مطروحة وموجودة لكن ما ينقص هو الإرادة الفعلية لمختلف القادة والمسؤولين في العالم لتنفيذ هذه الحلول! وترجم لاحقا خطاب رئيس الوزراء الباكستاني أمام الجمعية العامة انعكاسات عدم الاهتمام بحماية البيئة مذكرا بالمأساة التي عرفتها ولا تزال بلده بسبب الفيضانات الخطيرة التي اجتاحت في الآونة الأخيرة مناطق عديدة من باكستان.
وكانت حاضرة الحرب في أوكرانيا في خطابات العديد من الرؤساء والحكام والمسؤولين أمام الجمعية العامة، وإذا كان الرئيس الروسي لم يشارك في جلسة الجمعية العامة لهذا العام، فإن الرئيس الأوكراني ألقى كلمة وكالعادة عن بعد بسبب ظروف الحرب، وكان لافتا حديث الرئيس الفرنسي في خطابه عن حركة عدم الانحياز ودولها وتصوره بأنه لا يمكن أن نعيد سياساتها التي تقف على الحياد فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، وأن عدم اتخاذ مواقف محددة وواضحة من هذه الحرب سيخدم ما سماه «الإمبريالية الجديدة»! وللتذكير فإن حركة عدم الانحياز تأسست عام 1955 في مؤتمر باندونغ (إندونيسيا)، وانعقد مؤتمرها الأول في بلغراد (يوغسلافيا السابقة) عام 1961، ومؤتمرها الأخير في طهران عام 2012. ولا بد أن نشير أخيراً إلى خطاب الرئيس الفلسطيني، وحديثه عن مأساة الشعب الفلسطيني، والأوضاع الخطيرة والمأساوية التي تعيشها الأراضي العربية المحتلة، والعراقيل الكثيرة والمصطنعة أمام حل الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية، ويجب أن يكرر ويعاد باستمرار ما قاله الرئيس الفلسطيني وعلى مسامع المجتمع الدولي ودوله، وفي أروقة الأمم المتحدة، وفي قاعات مختلف هيئاتها، فالأمم المتحدة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، والتقصير، والتقاعس فيما يتعلق بإيجاد حلول لمختلف جوانب القضية الفلسطينية.* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا.