طه أمين و40 سنة من «الطحن المهني» بين الكويت والقاهرة
حوارات محمد الصقر مع مبارك رسمها بأسلوب «الإسكواش»
بعد قراءتي للكتاب اكتشفت فيه أصالة اللحن الموسيقي، وهومتجذر في هذا المقام قبل أن يعبر إلى الصحافة «وطحنها» كما يسميها، في «الحكّاء» يستدعي من يشاء وكيفما شاء من أهل الإعلام والصحافة والسياسة والفن والاقتصاد. قادته مجلة «العربي» وحبه لقراءتها إلى المجيء للكويت، وكان شغوفاً بأحمد زكي والشاعر أحمد السقاف، وهو من الذين حصلوا على ترخيص رسمي بمزاولة المهنة من وزارة الإعلام. انتقل من «دار الهلال» في مصر إلى دار الرأي العام في الكويت، وأمضى أربعين عاماً في مهنة ألزمته العزف على كل ما يتصل بمناحي الحياة.
أول مرة نتعرف على إبداعاته وألحانه الموسيقية، فقد سجل أول ألحانه «ودعيني» للمطرب مدحت صالح عام 1984 في «استديو 46». استعرض أسماء من صنعوا وشاركوا في صنع فكر ووجدان ومسيرة حياته المهنية، في الكويت وعنده أن من يدخل الكويت يذوب في حياتها عشقاً. يتحدث في الكتاب عن أسلوب الأستاذ محمد جاسم الصقر في الحوارات التي أطلقها مع الرئيس حسني مبارك وقارنها بأسلوب يوسف إدريس وحواراته مع معمر القذافي، إنما أسلوب الصقر كما يسميه «أسلوب رياضة الإسكواش». ويذكر أنه ذهب لمدير مركز المعلومات في «القبس» حمزة عليان ليدرس هذا النوع من الحوارات النادرة الصياغة والتي تحتاج الى كاتب لديه خيال يحسن به مفردات المضامين السياسية العميقة ليطفو بها على سطح الوضوح. كان الحوار كاشفاً، وأشبه بكرات تروح وترتد وصد ورد، وفق أسلوب «الإسكواش» وهي رياضتهما المفضلة. في كل محطة يسرد فيها مشاهد من مشواره المهني تجد طه أمين الملحن البارع أمامك، تماماً كما حاله مع تلحينه أنشودة وطنية في حب الكويت بعنوان «نعم نحبك يا كويت»، يا أغلى ديرة بالكون بإشراف المهندس جاسم قبازرد. تنقل بين «الرأي العام» و«الوطن» و«النهضة» وله مع العاملين فيها قصص وحكايات حبكها بأسلوبه الرصين والممتع. الكتاب يجمع بين الأدب السياسي والرواية، يأخذك إلى زوايا لم نكن نراها ونحن في خضم الحياة المهنية، يكتب عن معارك فكرية وعن فلاسفة ومفكرين كبار، باعتباره من «الوراقين» والتي لاحقته أي مهنة الوراقين وأصابته بحساسية، فجده كان وراقاً، والشيخ عيسى الكبير عندما كانت مهنة الطباعة والنشر تشتمل على أعمال الطباعة المختلفة حيث النسخ والتصحيح والتهذيب والتصوير. ينحو في كتاباته نحو أدب وأسلوب النقد الساخر، وقد مارسه مع أصدقائه في جلسات مفتوحة وبالهواء الطلق.يحذرك قبل أن تدخل متن الكتاب من أنه سيحلق بك دون جاذبية، إلى عالمه الحر والمشوق، ويكتب ما هو مفيد للعقل والوجدان والإيمان، وينقلك من خلال «18 معزوفة» أو بابا، نسجها وكتبها وراح يستعرض خبراته ومهاراته الفكرية دون رقيب. سنوات «الطحن» الفكرية، تشد القارئ للوهلة الأولى، لكن «الحكاء» أعطاها مضامين أفرغها في كتابه الصادر حديثاً من «دار النخبة» في القاهرة، ذات أبعاد فلسفية إنما بلباس موسيقي وأدبي.