اندلعت اضطرابات في البلدات والمدن الإيرانية من جديد، أمس، وامتدت الاحتجاجات المتواصلة منذ 11 يوما في مناطق رئيسية بالعاصمة طهران وكردستان وأصفهان وتبريز وشيراز وكرج إلى مدينة قم ذات الرمزية الدينية لنظام الجمهورية الإسلامية.وجاء وصول التظاهرات، التي أثارتها وفاة الشابة مهاسا أميني، بعد احتجازها من قبل شرطة الآداب لمخالفتها قواعد الحجاب الإلزامي، إلى قم التي تضم أبرز الحوزات العلمية الشيعية، لتسلط الضوء على تحول الحركة الاحتجاجية، الأبرز والأوسع منذ عقود، إلى انتفاضة مطالبة بالحريات الشخصية ومناهضة لقمع السلطات الإيرانية.
ونشرت وكالة تسنيم للأنباء شبه الرسمية، أمس، نحو 20 صورة لمتظاهرين بينهم نساء في شوارع عدة بمدينة قم الواقعة على بعد نحو 150 كيلومترا جنوب العاصمة، مبينة أن المؤسسات العسكرية والأمنية نشرت هذه الصور التي تظهر «مثيري شغب»، وأنها دعت السكان إلى «التعرف عليهم وإبلاغ السلطات».وترافق التحريض الحكومي على الإبلاغ عن المشاركين في الاحتجاجات مع إعلان السلطات الأمنية أنها أوقفت 450 متظاهرا جديدا في مازندران بشمال البلاد، حيث سبق أن أوقف 700 شخص آخر لمشاركتهم في احتجاجات على وفاة أميني، واتهمت السلطات المحتجين بمهاجمة مقار إدارات حكومية، وقالت إنهم ألحقوا أضرارا بممتلكات عامة في بعض مناطق مازندران بـ«توجيه من عملاء أجانب». وكانت السلطات أعلنت السبت الماضي توقيف 739 متظاهرا، بينهم 60 امرأة في محافظة غيلان المجاورة لمازندران.
أساليب جديدة
وفي وقت كثفت السلطات حملتها لقمع المتظاهرين في عموم البلاد، اثر تقييد الوصول إلى «إنستغرام» و«لينكدإن» و«واتساب»، وهي آخر ثلاث وسائل تواصل اجتماعي غربية تعمل في البلاد، بشكل ملحوظ، على قدرة المحتجين على تنظيم المظاهرات ومشاركة المقاطع المصورة الخاصة بهم مع العالم الخارجي. لكن مع تواصل الحركة الشعبية، التي لا يبدو أنها تهدأ، أضاف المتظاهرون أساليب جديدة لاحتجاجاتهم، فإلى جانب احتجاجات الشوارع لجأوا إلى إجراءات مثل التوسع في كتابة الشعارات على الجدران، وترديد الهتافات من النوافذ والأسطح. ودعت نقابة معلمين رئيسية، في بيان، المعلمين والطلاب إلى تنظيم أول إضراب في عموم البلاد، منذ بدء الاضطرابات، أمس وغدا الأربعاء.قصف وضغط
وفي وقت جددت مدفعية ومسيرات «الحرس الثوري» الإيراني قصف مواقع لما تصفه بـ«مقرات جماعات إرهابية تدعم الاضطرابات داخل إيران» بنواحي إقليم كردستان العراق، أفاد ريبين رحماني، عضو مجلس إدارة «شبكة كردستان» لحقوق الإنسان ومقرها باريس، بأن المدن في المناطق الكردية حيث تنحدر أميني، أصبحت بمنزلة «ثكنات عسكرية» من قبل قوات الأمن.وقال رحماني، في تصريحات، إن مدن كرمانشاه وكامياران وسنندج وسقز وديواندره وأشنویه «تخضع لسيطرة أمنية مشددة»، مضيفا أن أشنویه، وهي مدينة حدودية مع إقليم كردستان العراق، أغلقت لمدة 3 أيام بعد «حادثة مروعة قتل فيها عدة أشخاص ليلة الأربعاء». ونفى تقارير سابقة عن قيام المتظاهرين بإلحاق الهزيمة بقوات الأمن في المدينة، متابعا: «لم نتلق أي مقاطع فيديو جديدة نظرا لانقطاع الإنترنت. من الصعب جدا الحصول على أي أخبار».وتتهم إيران معارضين مسلحين من الأكراد الإيرانيين بالتورط في الاضطرابات المستمرة في البلاد، لا سيما في الشمال الغربي حيث يعيش معظم الأكراد الإيرانيين البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة.في غضون ذلك، زعم عرفان مرتضعي، ابن عم الشابة مهاسا أميني، أن أسرتها تتعرض لضغوط من قبل السلطات الأمنية لحجب المعلومات عن وسائل الإعلام. وقال مرتضعي، لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية، إن أميني أصبحت «صوت غضب الشعب الإيراني». مضيفا: «حاولت إيران دفنها سرا في الليل دون أن يعلم أحد. ولحسن الحظ، منع سكان بلدة سقز التي عاشت فيها هذه المؤامرة ولم يسمحوا بذلك».اتهام وتهديد
في هذه الأثناء، اتهمت إيران الولايات المتحدة، أمس، باستغلال الاحتجاجات لمحاولة زعزعة استقرار البلاد، وحذرت من أن ذلك لن يمر دون رد.وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني: «تحاول واشنطن دائما زعزعة استقرار إيران وأمنها على الرغم من أنها لم تنجح في ذلك».واتهم كنعاني قادة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية باستغلال حادث مأساوي لدعم «مثيري الشغب وتجاهل وجود الملايين في شوارع البلاد وساحاتها لدعم النظام».استدعاء ألماني
في المقابل، استدعت الخارجية الألمانية السفير الإيراني في برلين بسبب قمع الاحتجاجات.وردا على سؤال حول احتمال فرض مزيد من العقوبات على طهران بسبب الاضطرابات، قال متحدث باسم الخارجية الألمانية: «سننظر في جميع الخيارات مع دول الاتحاد الأوروبي».والأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شرطة الآداب الإيرانية، بسبب مزاعم الإساءة للنساء الإيرانيات، قائلة إنها تحملها المسؤولية عن وفاة مهاسا أميني البالغة 22 عاما في الحجز.تباعد نووي
على صعيد آخر، يبدو أن اجتماعات نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام الأخيرة، وتبادل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة، لم يحدثا اختراقا في المفاوضات النووية المتعثرة مع إيران، فالطرفان ما زالا يمارسان لعبة رمي الكرة إلى الطرف الآخر ولومه، مع تمسّك طهران بمواقفها من دون تنازل، وتأكيد واشنطن أنه «لا توقعات بإحياء الاتفاق النووي على المدى القصير».ومازال الجانب الإيراني يكرر مطالبه بشأن الضمانات التي يطلبها من الجانب الأميركي، وإغلاق التحقيقات الأممية حول أنشطة نووية غير معلنة. وأمس، أكد مستشار الوفد الإيراني المفاوض محمد مرندي أن الأميركيين والأوروبيين «ليسوا في موقع يسمح لهم بزيادة الضغط على إيران»، متهما المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي بأنه ينفذ ما تمليه عليه الإدارة الأميركية.وعلى الضفة الأميركية، لا أمل بحصول الاتفاق، أقله قريباً، والتشاؤم يزداد يوماً بعد يوم، مع اتهام طهران بعرقلة الوصول إليه، إذ أكد وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، أمس، أنه لا يرى أي توقعات في المدى القريب بخصوص إحياء الاتفاق النووي.