فشلت محاولات السلطات الإيرانية حتى الآن في احتواء الاحتجاجات التي اندلعت قبل 11 يوماً، بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، عقب توقيفها وفق قانون الحجاب الإلزامي. ورغم الخبرة الكبيرة لدى الأجهزة الأمنية الإيرانية في إفشال الاحتجاجات، عبر خليط من الإجراءات الترهيبية والتضليلية، فإن المحتجين نجحوا في إدامة الزخم، وسط انخراط كبير للمجتمع، خصوصاً النساء، في الحراك الذي جاء في توقيت محرج.
وسعى المحتجون في اليومين الأخيرين إلى اعتماد تكتيكات جديدة خصوصاً في طهران. ففي وقت أحدث تقييد الوصول إلى برامج التواصل عبر الإنترنت أثراً على تنظيم المسيرات الاحتجاجية لجأ نشطاء إلى زيادة عدد نقاط التظاهر وتفريقها، لإرهاق القوات الأمنية، وتصعيب مهمتها بمحاصرة المحتجين واعتقالهم، ونقلوا التظاهرات من نقطة إلى أخرى عبر الدراجات النارية السريعة.وعمد المحتجون إلى رفع شعارات معادية للنظام من أسطح المنازل في شوارع المدن الرئيسية والعاصمة، في استعادة لأساليب الثورة التي أسقطت الشاه، كما بدأوا رسم الشعارات على الجدران، لإنهاك قوات الأمن التي تصر على محوها. وفي تغير يظهر أن قطاعات في المجتمع بدأت تتجاوب مع الحراك المطالب بالحريات الاجتماعية، دعت نقابة معلمين رئيسية، في بيان، المعلمين والطلاب إلى تنظيم أول إضراب في عموم البلاد، منذ بدء الاضطرابات. وأظهرت أشرطة فيديو تلاميذ في أعمار متعددة يشاركون في وقفات، وهم يهتفون «زن زندكي آزادي» أي «المرأة والحياة والحرية».
وقام المحتجون بزيادة عدد المدن التي شهدت احتجاجات، التي وصلت إلى ما يزيد على 105، وما كان لافتاً انضمام قرى إلى الحراك الشعبي الغاضب ليل الأحد ـ الاثنين.وفي وقت تداول نشطاء مقطع فيديو قالوا إنه يظهر قائد الشرطة، اللواء حسين اشتري، وهو يطالب عناصر مكافحة الشغب بـ «ضرب وقتل المحتجين دون أدنى تردد»، أكد أحد مساعدي اشتري أن عدداً من مساعديه أبدوا استياءهم من تعليماته، وقدموا استقالاتهم للمرشد، لأنهم لن ينضموا لقتل الشعب. وأشار إلى أن ذلك مثل أبرز انشقاقاً في صفوف قوات الأمن التي كشفت مقاطع فيديو عن تصادم عناصرها خلال محاولتها لقمع الاحتجاجات الحاشدة. كما واصلت قوات الأمن اعتقال صحافيين، بما في ذلك أولئك الذين يحملون ترخيصاً من قبل وزارة الإرشاد والإعلام والعاملين لدى وسائل إعلام أجنبية، وقامت باقتحام منازل عدد كبير منهم وتوقيفهم ومصادرة جميع وثائقهم وأجهزتهم الإلكترونية، ونقلوا إلى معتقلات تابعة لوزارة الاستخبارات في سجن أفين شمال مدينة طهران، على عكس المحتجين الذين يجري نقلهم إلى معتقلات للحرس الثوري.وفي حين كانت الاعتقالات في الأيام الماضية تشمل فقط المراسلين والمصورين، فإن الأجهزة الأمنية بدأت رفع مستوى اعتقالاتها كي تشمل رؤساء تحرير عدد من الصحف ومحطات إعلامية. وصباح أمس أصدرت وزارة الإرشاد تعميماً على جميع وسائل الإعلام تؤكد أن كل تراخيص التصوير التي تم إصدارها من قبل تعتبر ملغاة حتى إشعار آخر.وعلمت «الجريدة» من مصدر مسؤول بـ «الهلال الأحمر» الإيراني أن 17 جثة نقلت إلى مستشفيات محافظة كردستان من مدن اشنويه، وسنندج، وسقز، مسقط رأس مهسا، بعد اشتباكات ليلية خاضتها القوى الأمنية، مشيراً إلى وجود عدد كبير من القتلى والجرحى الذين لم يتم نقلهم للمستشفيات.وذكر المصدر أن الأكراد في تلك المناطق يفضلون نقل قتلاهم وجرحاهم إلى إقليم كردستان العراق، لتفادي الوقوع تحت طائلة قوات الأمن الإيرانية، فيما جدد «الحرس الثوري» قصف «مقرات جماعات إرهابية تثير الاضطرابات بأوامر خارجية» في إقليم كردستان العراق..