إيران من سجن إلى سجن
في منتصف الليل، في أوله أو آخره، يطرق رجال الأمن الإيراني باب المواطن المعارض أو المشارك في المسيرات، رجلاً كان أم امرأة وكل من يقول لا أو كلا لأربعين سنة من القمع واحتكار السلطة!في ساعات الليل الأخيرة أو أوائل الفجر، تقف ربما سياراتهم ويترجل منها «رجال الأمن» ومعهم قوائم على ورق أو مدرجة في تلفون نقال أو مجرد أسماء محفوظة لشباب وفتيات إيران في كل مدن بلاد فارس المنكوبة المحاصرة منذ نصف قرن، وسط حارات وبيوت فقيرة أو متوسطة الحال، سرعان ما يدخلون المنزل وينتزعون المطلوبين بلا رحمة أو شفقة، وسط الرفس والكفوف! قد لا يكون الاقتحام والاعتقال بهذه القسوة، وقد يكون أسوأ بكثير وأقل رحمة.منذ أكثر من أربعين سنة، منذ عام 1980، وهذا المنظر الصباحي، وربما المسائي، يتكرر كلما قرر «الفستايو الإسلامي»، أن يطهر وينظف مدن إيران من «المفسدين في الأرض»، بينما، وبلا خجل، تشهر أجهزته الإعلامية، من محطات تلفزيونية وإذاعية، بقمع الإسرائيليين للفلسطينيين أو بـ«مصادرة حقوق السود والملونين»، أو عدم مرعاة الشرطة الفرنسية لحقوق المسلمين أو اضطهاد مهاجري بورتوريكو أينما تجمعوا، في دول اليهود والنصارى ما حقوق المعتقل الإيراني... من ذكر وأنثى؟ من من المعتقلين له حق الاتصال بالمحامي، وأساسا من يحمي المحامي، وبخاصة إن لم يكن «مرتبطاً بالشبكة» مواليا وفي جيب الحكومة «وقوانينها الإسلامية العادلة»؟
ماذا يجري في السجون بحق أي فتاة إيرانية أو شاب، رفعا صوتهما بالمعارضة؟ وأين الجهاز القضائي المحايد، الذي لا يخضع للولي الفقيه «مرشد الثورة» وأجهزته المتداخلة؟ بينما تعتبره القوانين الإيرانية نائبا للإمام الثاني عشر والمهدي المنتظر؟! ملايين الدولارات تنفقها الدولة وأجهزة الأمن الـ14 على الضبط والمتابعة والاعتقال والإحضار، ولهذا نادراً ما يفلت أحد من قبضتها الفولاذية وشباكها هناك، فالإيرانيون فعلاً مساكين وبلا حول أو قوة منذ أربعين سنة ونيف.العجيب أن كل القنوات الإيرانية العربية والفارسية والتي باللغات الأوروبية، والتي ترتبط بإيران، تحدثت على امتداد شهري محرم وصفر، وفي تاسوعاء وعاشوراء والأربعين، عن غربة «الإمام الحسين»، وما تعرض له أصحابه «من ظلم ومطاردة واعتقال في زمن الأمويين»، وكيف زال سلطان بني أمية وبقي ذكر المظلومين، ولكن السلطات عادت في اليوم التالي، وبخاصة بعد عودة رئيس الجمهورية من نيويورك والأمم المتحدة، لتتوعد المحتجين بالويل والثبور، وقال رئيس الجمهورية «إبراهيم رئيسي»، بعد تواصل أيام صاخبة ودامية في شوارع المدن الإيرانية «إذا كان لدى أحد ما يقوله فسوف يُسمع»، ما هذا القلب الشغوف؟ ألا يذكرنا مثل هذا التصريح بما يقال إن ماري إنطوانيت اقترحته لجماهير الثورة الفرنسية من شرفة قصرها؟