دخلت الحرب المطوّلة في أوكرانيا مرحلة جديدة وأكثر خطورة على الأرجح، لكن لا يزال منع التصعيد ممكناً، حيث تتعدد المحاولات الفاشلة لحل الصراع الأوكراني دبلوماسياً، وهي تعود إلى بداية الصراع عام 2014، غداة ثورة الميدان الأوروبي في العاصمة الأوكرانية كييف، ثم إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم ودعم انتفاضة انفصالية في إقليم «دونباس». انطلقت مفاوضات دبلوماسية في المرحلة اللاحقة بشكلٍ شبه فوري.أنتجت جهود الوساطة حينها خريطة طريق تُعرَف باسم «اتفاق مينسك» لإنهاء الصراع الأوكراني، ثم أصبح هذا الاتفاق بلا قيمة بعد غزو روسيا الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
لكن لا يعني فشل الجهود الدبلوماسية في حل الصراع بين أوكرانيا وروسيا أن الوساطة الدولية كانت غير مجدية بالكامل، فقد تم الاتفاق على مبادرة دبلوماسية في المرحلة الراهنة من الصراع، ونفّذتها جميع الأطراف المعنية، وقد تشكّل إطار عمل لمنع تفاقم الحرب.تُعرَف تلك الجهود باسم «مبادرة حبوب البحر الأسود»: يشمل هذا الاتفاق الدولي أوكرانيا وروسيا، وتم التوصل إليه بوساطة من تركيا والأمم المتحدة، ووقّع عليه المعنيون في 22 يوليو، وأصبح ساري المفعول في 1 أغسطس، ومهّد هذا الاتفاق لإنشاء ممر بحري إنساني لنقل إمدادات الحبوب عبر البحر الأسود، وسمح لأوكرانيا وروسيا بتمرير الصادرات الغذائية التي كانت عالقة بسبب الحرب، واستمر تنفيذ الاتفاق لأكثر من شهر أو شهرَين، فساهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية عن أوكرانيا وتقليص مشاكل النقص الغذائي حول العالم، وأثبت أن التنسيق العملي لا يزال ممكناً بين كييف وموسكو رغم استمرار الحرب.يجب أن يتذكر المعنيون هذه العوامل كلها عند تحديد شكل الاتفاق الدبلوماسي المحتمل لإنهاء الصراع في أوكرانيا في هذه المرحلة من الحرب، أو منعه من التفاقم على الأقل. على غرار «مبادرة حبوب البحر الأسود» وعلى عكس «اتفاق مينسك»، يجب أن يحمل أي اتفاق مماثل هدفاً مشتركاً يوافق عليه جميع الفرقاء، وتكثر الخلافات بين موسكو وكييف والغرب اليوم، ومع ذلك تتعدد الأهداف المشتركة التي يمكن الالتفاف حولها، حتى لو اقتصرت على منع تصعيد الوضع لأن أي تطور مماثل يسيء إلى جميع الأطراف، فقد يتخذ هذا التصعيد أشكالاً متنوعة، بدءاً من إطلاق هجوم نووي روسي، مروراً بقطع إمدادات الطاقة بالكامل، وصولاً إلى نشوء أزمات اقتصادية وسياسية بسبب هذه التطورات.لهذه الأسباب، قد تشكّل «مبادرة حبوب البحر الأسود» إطاراً نظرياً مفيداً لمنع تصعيد الصراع الأوكراني، كونها تُركّز على التعاون متعدد الأطراف وعلى تحديد الأهداف المشتركة وتنفيذها. لم تُخْفِ تركيا رغبتها في تأدية دور الوساطة لإقرار اتفاق وقف إطلاق النار على نطاق أوسع بين أوكرانيا وروسيا، إذ تأمل أنقرة الاستفادة من خبرتها في صفقة الحبوب (حتى صفقة تبادل الأسرى التي أدت دور الوساطة فيها مع المملكة العربية السعودية حديثاً) لتحقيق هذا الهدف. تستطيع جهود الوساطة الناجحة التي تعطي نتائج ملموسة، ولو في مسائل بسيطة نسبياً، أن تُمهّد لمنع تفاقم الصراعات مستقبلاً.تبقى الوساطة في المسائل المتعلقة بالسيطرة على الأراضي وتقديم الضمانات الأمنية أكثر صعوبة طبعاً، وقد تعوق أوكرانيا وروسيا هذا النوع من الجهود في حين تحاول قوات كل بلد منهما استرجاع تفوّقها في ساحة المعركة، لكن أصبح الصراع الأوكراني على مفترق طرق بعد التطورات الأخيرة، فقد يتفاقم الوضع بدرجة خطيرة من جهة، في حين تبرز فرصة حقيقية لإخماد التصعيد بالطرق الدبلوماسية من جهة أخرى.* يوجين شوزوفسكي
مقالات
الدبلوماسية لا تزال ممكنة في أوكرانيا
28-09-2022