هل تُغيّر الاستفتاءات الروسية في أوكرانيا قواعد اللعبة؟
حمل الخطاب المتلفز، الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء الماضي، تصعيداً خطيراً في الصراع الأوكراني على مستويات عدة، ففي حين يواجه الجيش الروسي انتكاسات كبرى في ساحة المعركة الأوكرانية، يتعرض بوتين للضغوط لتغيير مسار الحرب لصالح موسكو، لذا طرح في خطابه المنتظر سلسلة من التدابير والتهديدات التي يُفترض أن تُمكّن موسكو من تحقيق الأهداف التي حدّدتها في أوكرانيا منذ بداية الصراع، قبل سبعة أشهر تقريباً.حتى الآن، تبقى تعبئة 300 ألف عنصر احتياطي للمشاركة في دعم جهود الكرملين الحربية المتعثرة من أبرز الخطوات التي أعلنها بوتين.ومنذ أن بدأت موسكو «عمليتها العسكرية الخاصة» في فبراير، قاوم الكرملين الدعوات التي أطلقها مناصروه القوميون المتطرفون للمطالبة بإعلان تعبئة وطنية عامة، لأنه كان مقتنعاً بأن المهمة الأصلية في أوكرانيا يمكن إتمامها عبر المؤسسة العسكرية التقليدية، وكان عامل مؤثر آخر يتعلق باعتبار التعبئة مرادفة لتحضير البلد لخوض الحرب، مما يعني تورط روسيا في الصراع على مستوى مختلف بالكامل، مما قد يزيد الدعم للمحتجين على الحرب محلياً.
لهذا السبب، يبدو إعلان التعبئة الآن من جانب بوتين اعترافاً ضمنياً بالمشاكل التي تواجهها العملية العسكرية وحاجة القوات الروسية إلى عدد إضافي من العناصر والمعدات لتحقيق أهدافها.لكن بدل أن يتحمّل بوتين مسؤولية الانتكاسات، فضّل أن يلوم بلداناً غربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة على المشاكل التي يواجهها بلده، على اعتبار أنها زوّدت أوكرانيا بأسلحة متطورة سمحت للقوات الأوكرانية بإطلاق عمليات هجومية،ومنذ بداية الصراع، حرص حلف الناتو على عدم التورط في مواجهة مباشرة مع موسكو، وفضّل الاضطلاع بدور غير مباشر عبر إرسال الأسلحة إلى الأوكرانيين وتكليف الجيش الأوكراني بخوض القتال بنفسه، فاقتصرت مهمته على تحرير الأراضي الأوكرانية.لكن قد يتغير الوضع في ساحة المعركة بطريقة جذرية نتيجة الاستفتاءات المرتقبة في الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية في شرق أوكرانيا وجنوبها، إذ من المتوقع أن تُمّهد النتائج لضم تلك المناطق رسمياً إلى روسيا.عند حصول ذلك، يستطيع الكرملين أن يزعم أن أي هجوم على الأراضي الأوكرانية المنفصلة حديثاً هو اعتداء على روسيا، ومن خلال التهديد باستخدام الأسلحة النووية رداً على أي هجوم ضد الأراضي الروسية، يأمل بوتين إقناع الغرب بالتخلي عن دعمه لأوكرانيا، وهي خطوة قادرة على إضعاف الجهود الحربية الأوكرانية بدرجة هائلة. على مستويات معينة، قد يكون التلميح المتعمد إلى استعمال الأسلحة النووية دليل ضعف، وقد تتخذ القيادة هذا النوع من الخطوات حين تدرك أن الآمال بتحقيق انتصار في أوكرانيا بدأت تتلاشى مع مرور الأيام.يوم الأربعاء الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الروسية أولى تقديراتها الرسمية حول الخسائر في ساحة المعركة منذ شهر مارس، فأعلنت مقتل 5937 جندياً، لكن تشكك الاستخبارات الغربية بهذه التقديرات وتزعم أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، فقد يصل عدد الجنود المقتولين أو المصابين إلى 80 ألف، مما يعني خسارة أكثر من نصف القوات العسكرية المشارِكة في القتال منذ البداية.في الوقت نفسه، لا شيء يثبت أن تهديدات بوتين النووية ستدفع القادة الغربيين إلى تغيير طريقة دعمهم لأوكرانيا، وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على دعم واشنطن للقضية الأوكرانية، وتعهدت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تروس بتقديم المستوى نفسه من الدعم العسكري في السنة المقبلة.طالما يتابع الغرب دعم أوكرانيا، قد يبقى الهدف الروسي بتحقيق انتصار حاسم مجرّد حلم بعيد المنال.* كون كوفلين