أكد اقتصاديون كويتيون ضرورة تبني المؤسسة التشريعية قوانين تدعم تنويع الاقتصاد الوطني وتضمن استدامته والعمل على إيجاد بيئة متطورة من التشريعات الاقتصادية تمهد لإيجاد نموذج اقتصادي قادر على مواجهة التحديات المستقبلية.وركز الاقتصاديون في لقاءات متفرقة مع «كونا» أمس، على ضرورة نقل الاقتصاد الوطني إلى مستويات جديدة يكون قوامها التنوع في مصادر الدخل وتعزيز المناخين الاستثماري والتجاري وتشجيع المعرفة والابتكار والمواهب ورفع تنافسية بيئة الأعمال وزيادة جاذبيتها.
وقال رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الكويت د. أنور الشريعان، إن استمرار الاقتصاد الكويتي بالاعتماد على النفط كمصدر وحيد لإيرادات الدولة «أمر خطير» باعتبار هذه السلعة مرتبطة بالأسعار العالمية للطاقة ورهينة لمتغيرات الأسواق.وأضاف الشريعان إن انخفاض أسعار النفط خلال أزمة (كورونا) أظهر أهمية تركيز التوجه نحو تنويع مصادر الدخل مشيرا إلى أن التنويع الاقتصادي رؤية قائمة ضمن حدود صندوق الأجيال القادمة والصندوق الاحتياطي العام منذ 45 عاما.ووفقا لبعض التقديرات والتقارير ذكر أن حجم الصندوق السيادي للكويت يقارب نحو تريليون دولار أي «لو كان عائده 6 في المئة، فإن ذلك يعادل إيرادات النفط لو كان سعر البرميل 80 دولاراً بحسب الإنتاج الحالي من النفط».وأكد في الوقت ذاته أهمية توسيع رؤية تنويع الاقتصاد عبر الاستثمار في الصناعات والمنتجات النفطية لدورها بتخفيف أثر تقلبات أسعار النفط الخام العالمية على الإيراد العام للدولة باعتبار أن هذه الصناعات والمنتجات «مطلوبة بشكل دائم في الأسواق».ودعا إلى الاستفادة من الميزة النسبية التي تتمتع بها الكويت تاريخيا والمتمثلة بالموقع الجغرافي الاستراتيجي في استدامة الاقتصاد الكويتي لافتا إلى أن مشروع (المنطقة الاقتصادية الشمالية) بأي شكل تنظيمي أو نموذجي كان «سيحل مشاكل اقتصادية كثيرة منها البطالة وانخفاض أسعار الخدمات التخزينية والنقل وغيرها وسيكون رافدا ثالثا لإيرادات الدولة».وعن التخطيط للمستقبل واستشرافه وسط المتغيرات في النظام العالمي أوضح الشريعان أن التحول من نظام «أحادي القطبية» إلى نظام متعدد الأقطاب بظهور قوى مثل الصين إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية سيغير قطعا بشكل الاقتصاد العالمي ويؤثر على اقتصادات الدول.وأضاف الشريعان إن الحرب الروسية - الأوكرانية ألقت كذلك بظلالها على الاقتصاد العالمي وأثرت على ارتفاع معدلات التضخم بشكل «غير مسبوق» مشيرا إلى أن معدل التضخم في بعض الولايات الأمريكية وصل إلى نحو 40 في المئة كما أدت الحرب إلى انهيار عملات دول في دول أخرى.وأكد حتمية تأثير هذه المتغيرات على دولة الكويت «التي تستورد تقريبا كل شيء» ما يضعها أمام ضغوط تضخمية وارتفاع أسعار السلع والخدمات وتراجع القوة الشرائية في حال استمرت الحرب وطال أمدها.أما بخصوص دور المؤسسة التشريعية في عملية تنويع الاقتصاد واستدامته فقال الشريعان إن تحقيق الأمن الاقتصادي مرتبط بتوفير البيئة التشريعية اللازمة لافتا إلى أن أزمة فيروس كورونا المستجد أكدت أهمية الأمن الاقتصادي ودور الشركات الحكومية وشبه الحكومية في إدارة الأزمة مثل شركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية وشركات الألبان والأجبان والمؤسسات الأهلية مثل الجمعيات التعاونية.وأوضح أن أزمة (كورونا) أظهرت بشكل عام القدرة المتواضعة للقطاع الخاص في التعايش مع المنظومة الاقتصادية الوطنية وقت الأزمات ما يستوجب دعم هذا القطاع الخاص ليكون شريكا رئيسا للقطاع الحكومي في هذه المنظومة مؤكدا أهمية تبني تشريعات اقتصادية تتوافق مع مقومات الاقتصاد الكويتي وطبيعة المجتمع.ولفت الشريعان أيضا إلى أهمية دعم الشركات المملوكة للحكومة نحو التوسع في العمليات التشغيلية لتخدم منطقة الخليج «حتى تكون جزءا رئيسا في منظومة الأمن الغذائي ومنافسة على مستوى المنطقة» داعيا إلى البحث عن نموذج اقتصادي تكون الحكومة المهيمنة فيه كونها تملك أكبر مورد للاقتصاد وهو النفط مع الاستفادة من القطاع الخاص بإدارة بعض منشآت الدولة وقطاعاتها.من جانبه قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت الدكتور رياض الفرس، إن السلطة التنفيذية وضعت في مراحل زمنية سابقة برامج وتدابير مالية واقتصادية لمواجهة التحديات الاقتصادية ومنها الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد المحلي التي تضمنتها خطط التنمية ورؤية (كويت جديدة 2035).ولفت الفرس إلى أن هذه الاختلالات برزت بشكل واضح إبان أزمة فيروس (كورونا) عندما تراجعت الإيرادات العامة للدولة بعد الانخفاض الحاد في سعر برميل النفط إلى نحو 30 دولارا مؤكدا ضرورة استمرار هذه التدابير من أجل إصلاح هذه الاختلالات.وأوضح أن هيمنة القطاع النفطي على نحو نصف النشاط الاقتصادي في الدولة وضعف مساهمة القطاع الخاص البالغة حوالي 30 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي واعتماد هيكل الصادرات للدولة على 95 في المئة من النفط يعد من نماذج الاختلالات.وذكر إن تلك الاختلالات تتضمن تمثيل الإيرادات النفطية نحو 90 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية وضعف مساهمة المواطنين بنسبة أقل من 5 في المئة بسوق العمل وارتفاع الانفاق العام لميزانية الدولة نتيجة ارتفاع معدلات توظيف المواطنين في القطاع العام.وبالنسبة للحلول المطروحة لإصلاح هذه الاختلالات ذكر إن تطبيق مفهوم (التخصيص العام) وهو عبارة عن نقل ملكية وإدارة العديد من الأنشطة الاقتصادية للقطاع الخاص يعد أحد العلاجات للتخلص من عبء الرواتب الذي يمثل نسبة كبيرة من الإنفاق العام.وبين أهمية تعزيز دور القطاع الخاص بإدارة النشاط الاقتصادي من البداية مشيرا إلى نجاح تجارب مشاريع الشراكة مثل تجربة محطة الزور الشمالية لإنتاج الكهرباء والماء وخصخصة (بورصة الكويت) التي ارتفعت قيمتها من نحو 20 مليون دينار (نحو 61.20 مليون دولار) إلى أكثر من 400 مليون دينار (نحو 1.22 مليار دولار).وأفاد بأن سبل المعالجة تتضمن أيضا إعادة هيكلة القطاع الحكومي عبر تقليص الأجهزة الحكومية ودمج المتشابه منها وإيجاد بنية تحتية استثمارية وتجارية متطورة ورأسمال إبداعي وتنمية الأنشطة الاقتصادية غير النفطية. وفيما يتعلق بمسؤولية مجلس الأمة في تطوير بيئة التشريعات الاقتصادية أكد الفرس أهمية أن يقوم البرلمان في هذه المرحلة بدوره الفعال كمراقب على أداء الحكومة عند تنفيذ برامج التنمية وإلزامها بالمشاريع المدرجة فيها فضلا عن «وقف الهدر المالي أو الفساد إن وجدا». وأكد أهمية الدور التشريعي للبرلمان وضرورة مبادرته بطرح مشاريع قوانين جديدة أو بتعديل قوانين حالية لتحسين الوضع الاقتصادي والبيئة الاستثمارية مشيرا إلى أن برنامج عمل الحكومة لعام 2021 تضمن 12 مشروع قانون منها تسعة اقتصادية بحاجة إلى تعديلات تشريعية.وأشار إلى أن ثلاثة من هذه المشاريع تتعلق بالضرائب وواحدا في شأن الرسوم والتكاليف المالية وآخر يتعلق بقواعد إعداد الميزانية ومنها أيضا مشاريع قوانين الدين العام والتمويل العقاري ومشروع إعادة هيكلة أجور القطاع العام (البديل الاستراتيجي) إضافة إلى قانون الخطة الإنمائية.وشدد الفرس على أهمية دور البرلمان في دعم المشاريع ذات الطبيعة الخاصة التي تحتاج إلى سن تشريعات وقوانين ضمن إطار معين خارج إطار التنظيم الحكومي كمشاريع المناطق الحرة و(مدينة الحرير) مبينا المسؤولية المشتركة بين الحكومة والبرلمان في بناء اقتصاد مستقبلي يصب في مصلحة المواطنين ويحقق التنمية للدولة.من جانبه قال أستاذ القانون المساعد في كلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتور محمد الشبيب إن المجلس المقبل أمامه الكثير من التحديات الاقتصادية أولها إقرار قانون الميزانية مشيرا إلى أن ما يرتبط بالميزانية من إجراءات تتعلق يالصرف والإنفاق والتوظيف وإجراء الممارسات والمناقصات متوقف إلى حين الإقرار بعد انتخاب البرلمان الجديد.وأكد الشبيب أهمية تطوير وتحسين بيئة الأعمال الجاذبة للاستثمارات الخارجية وحلحلة العوائق الإدارية والتشريعية والنظامية أمام الاستثمارات الأجنبية داعيا في الوقت ذاته إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لإيرادات الدولة.وبين أهمية تطوير البنية التحتية للقسائم الصناعية والتجارية لتعزيز تنافسية الاقتصاد وتحفيز التشغيل فضلا عن وضع أطر قانونية وتشريعية تنظم البيئة الاستثمارية وتتلاءم مع متطلبات المستثمرين ما يجعل من الكويت مركزا تجاريا وماليا إقليميا وعالميا.وعن أهم التحديات الاقتصادية المرتبطة بالحرب الروسية - الأوكرانية حذر الشبيب من الآثار السلبية الناجمة عن هذه الحرب وأهمها التأثير على سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الغذاء وتراجع في النمو الاقتصادي وصولا إلى الركود وارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية مبينا أهمية مواجهة هذا التحدي بتنويع الاقتصاد وتحفيزه.
برلمانيات
اقتصاديون: ضرورة تبني قوانين تدعم الاقتصاد الوطني
28-09-2022