طرح «نص چم» وإعادة إنتاج «احنا آسفين يا ريس»
عدنا ولله الحمد عوداً حميداً بعد نحو ثلاثة أشهر من الانقطاع عن الكتابة المقالية، اضطررت مجبوراً فيها أن أبقي شياطين كتاباتي حبيسة دهاليز عقلي الباطن ودفاتري وقصاصات ورق مبعثرة في كل أرجاء المنزل. نعم، لطالما قلتها وكتبتها وآمنت بها، فللكتابة شياطين تُسّيل اليراع رغما عن أنف الكاتب ولو كان تعباً مرهقاً من بعد يوم طويل أو في سبات ليلي عميق، فتلك الشياطين ستوسوس لك بمقال أو جملة أو حتى كلمة أو مفردة غريبة. كان الانقطاع لأسباب عملية وصحية ذهنية، فكانت الأعمال غير القابلة للتأجيل تتراكم والاحتراق من جراء الكتابات وأعمال التحرير يتزايد في غياهب الصدر، فكان لابد من الانقطاع عن المقال الأسبوعي فقط لأجد نفسي أشتاق له وللعادات الحميدة الروتينية التي صاحبت طقوس كتابة مقالي الأسبوعي بما في ذلك فتح علبة (سجائر) واستهلال المقال بمزيج التبغ والقهوة، فكل الشكر لجريدة «الجريدة» لتحمل دلع كاتب مثلي ينقطع بين الفينة والأخرى. وفي تلك الأثناء وأنا بعيد عن هذه العادات، دشنت الحملات الانتخابية التي كنت مراقباً لجلها من ربوع غرب أوروبا، ولن أكذب حين أقول إنني كنت متوقعا ضحالة الطرح في جل الندوات والرؤى الانتخابية للمرشحين، فقد غاب العنصر الدسم للندوات السابقة والنظرة المستقبلية، ألا وهو رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم، فحين ابتعد عن المشهد انكشف أمران رئيسان في جل رؤى المرشحين (إلا من رحم ربي من قلة قليلة):
أولهما، هشاشة النظام الانتخابي وعليه البرلماني في الكويت، وذلك في ظل غياب العمل الحزبي المنظم الذي يجبر المرشحين أن يتناولوا رؤية الحزب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومنظوره العام فيما يخص القضايا الرئيسة والمصيرية، وعليه يقوم الناخب باختيار وانتخاب برنامج أكثر منه اختياراً للأفراد أو الوجوه من قائمة الوجوه البشوشة في مخيلته، وهذا الأمر مهم جداً، إذ لا يعني الناخب حقا من البرلماني الذي يتبنى قضاياه، إن كان زيدا أو عبيدا أو عمرواً، ففي النهاية تقع المسؤولية على الناخب في حسن الاختيار بناءً على برنامج واضح قابل للتطبيق يمثل تطلعاته لأجياله القادمة محملاً من سيشرع ويراقب مسؤولية جمة. الأمر الثاني الذي كشفه غياب الرئيس السابق هو ضحالة المستوى الفكري لجل المرشحين، الذين آل مآلهم في النهاية إلى استجداء أصوات الناخبين من خلال تأجيج نعرات قبلية طائفية فئوية يشمئز لها المرء، كل هذا طبعا طمعاً في شيء لا أعلم ما هو حقيقةً وتحديدا، فالكرسي الأخضر تكليف حقيقي ثقيل من المفترض أن يشغله من يكون على قدر المستوى، ومن الضروري هنا أن نبدأ بشكل جدي بإعادة النظر في شروط قبول من يتقدم لوظيفة البرلمان كالخبرة العملية والشهادة الجامعية وخلافه. عموماً، يرجى عدم الفهم من كلامي أنني مناصر للرئيس السابق، فقد كنت وما زلت مناهضا للكثير من سياساته وطريقة إدارته للجلسات، ولكن في خضم هذه المعركة الانتخابية وموعد نشر هذا المقال (في يوم الانتخابات)، وجب ذكر هذه الزاوية من الطرح لتفادي إعادة إنتاج المشاكل نفسها التي ارتشفنا مرارتها سنوات عدة، وعليه لم يكن انتقادي أبداً ضد شخص بعينه، فلا يعنيني من يكون الرئيس ولكن حتما يعنيني ماذا فعل وسيفعل. ومع ازدياد نبرة العداء والحدة والصراخ في الطرح الخواء هذه الأيام، لا يسعني إلا أن أستذكر حين أخذ (الإخوان المسلمين) سدة رئاسة مصر المحروسة، فخرجت الأغلبية الصامتة بشعار (إحنا آسفين يا ريس)!! واليوم أرى الكثير من أبناء وطني وهم يقولون (كنت ساتر على عقول هؤلاء المرشحين يا ريس)، فقد كنت مادة سهلة للتجريح السياسي تغني الكثيرين عن إعداد برامج سياسية بغية عرضها على الناس في الندوات الانتخابية. عموماً، لن نسمع طرحا ضحلا في وجود نظام انتخابي صحي وسيكون الطرح موضوعياً، ويعطي بدائل وخططاً مستقبلية حقيقية قابلة للتطبيق على عكس الكلام قليل الدسم و«النص چم» الذي استمعنا إليه في الأيام الماضية. على الهامش: تطرقت لضرورة قيام الأحزاب في صدر المقال وفي السابق أيضا من خلال عدد من المقالات الصحافية، لكن وجبت الإشارة هنا أن المقصود هو تنظيم وقيام أحزاب مدنية ديموقراطية لا تقوم على أساس فئوي يقسم المجتمع أفقيا بأي شكل من الأشكال، فلا نريد تفادي إنتاج مشاكل العمل الفردي لندخل في دوامة التعصبات الفئوية والتي لا تنتهي إلا بتصدر الميلشيات للعمل السياسي. هامش أخير: من يدافع عن الوضع القائم، أي وضع قائم، فهو بالضرورة مستفيد منه بشكل مباشر... ولا يطالب بالتغيير إلا المتضرر.