قد ينجح النظام في سحق المتظاهرين، ولديه القوة المفرطة لمواجهة الاحتجاجات، لكن أهمية ما حدث أن الغضب خرج إلى الشارع علانية، وهذا أخطر ما في الأمر، فللمرة الأولى يواجه النظام الديني رفضا من جيل شبابي يجمع بين الجنسين، وهو جيل «الثورة الإسلامية» الذي يتصدع من الداخل، هنا مكمن الخطورة، وفي السابق كانت تحدث «انتفاضات فردية» سرعان ما تختفي إما بالسجن وإما بالنفي والهرب وإما بالموت. من تلك الحوادث رواية واقعية كتبتها صاحبة التجربة وتدعى «ناهيد رشلان» بعنوان «بنات إيران» تشدك بالقراءة من الوهلة الأولى، وتأخذك في سرد مشوق لقصة أسرة إيرانية ترفع النقاب عن التعقيدات التي ترافق كل امرأة تترعرع في مجتمع ذكوري، اختلفت حياتها عن حياة شقيقتها «باري» رفضت التقيد بالأعراف السائدة، فكانت تقرأ سراً الكتب الممنوعة.
هاجرت إلى أميركا وعندما عادت إلى إيران بعد وفاة شقيقتها وأصبحت البلاد تحت حكم نظام إسلامي، تقيّم ماضيها وتواجهه بجرأة، في الفصل الخامس والثلاثين تتوقف عند رصد تسارع الأحداث وهي عائدة إلى نيويورك في الوقت الذي طرد الإمام الخميني من العراق وتوجه إلى باريس، وأعلن من منفاه أنه سيفرض القيم التقليدية والدينية ويجعل البلد «ديموقراطياً وإسلامياً». تروي كيف كان النظام يسير في نهج الانتقام السياسي ويبلغ ذروته بإعدام المئات من الأشخاص الذين عملوا مع الشاه، وفيه تعرضت المكاسب القليلة التي بدأت المرأة بتحقيقها في عهد الشاه إلى الانتكاس، وأصبح ارتداء الشادور إلزامياً على النساء، وجرى الفصل بين الرجال والنساء في الحافلات، الرجال من الأمام والنساء في الخلف. رواية أخرى بعنوان «سجينة طهران» للمؤلفة «مارينا نعمت» عبارة عن رحلة مؤلمة ومبكية، تخبرنا الكاتبة قصة حياتها عندما كانت شابة في إيران خلال الأيام الأولى «للثورة الوحشية» كما تسميها، وقد تم إلقاء القبض عليها وهي في السادسة عشرة من عمرها، وعذبت وحكم عليها بالإعدام بتهمة ارتكاب جرائم سياسية. مارينا نعمت، هي ممن تجاسروا أن يقولوا «لا» حين قال الآخرون «نعم» وتلك كانت جريرة وخطيئة في عرف أصحاب السلطة. سكنت سجن «إيفين» الرهيب وعانت الأمرّين، عامين وشهرين مروراً بزاوجها القسري من جلادها الذي أحبها ولم تحبه كما تخبرنا «فاطمة ناعوت» مقدمة الكتاب، جريمة مارينا نعمت كما جاء في التمهيد، أنها اعترضت في الفصل على معلمة الرياضيات، والتي أغفلت شرح درس التكامل والتفاضل وراحت تشرح وتفند روعة القائد ونظام الحكم وبشاعة الخروج عليه. نتعرف على الفروق بين عهدين من خلال مقارنة عدد السجناء في أحد عنابر سجن إيفين، كان يضم عنبر 246 نحو خمسين سجيناً صار يضم 650 سجيناً! الكتاب يتحدث عن قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية، ومن طهران إلى «تورنتو» في كندا حيث تقيم تستحضر المثل الفارسي القديم «لون السماء لا يتغير أينما ذهبت» لكن السماء في كندا وكما رأتها كانت تختلف عن السماء في إيران، إذ كان لونها أكثر زرفة... وبدت بلا نهاية وكأنها تتحدى الأفق. أوصاف أطلقت على ما حدث بأنها «ثورة الحجاب» و بداية إسقاط التكفير الديني وآخرون نعتوها بعبارة «حجاب الأزمة» وأيضاً بـ«معركة الحجاب»، والسؤال هو: هل ما حدث كان في حدود التمرد على الحجاب أم القصة أكبر وأعمق من ذلك؟
مقالات
من أي زاوية تقرأ «بنات إيران»؟
29-09-2022