لبنان: «مجلس الأقليات» يفشل في إنتاج رئيس
حزب الله يصوت بالورقة البيضاء... وتوازنات القوى تفرض التوافق الإلزامي
كما كان متوقعا، لم تنتج الجلسة الانتخابية الأولى للبرلمان اللبناني رئيسا للجمهورية، إذ لم يتمكن أحد من المرشحين من الحصول على 65 صوتا ليؤمن فوزه، ولم تعقد الدورة الثانية بسبب فقدان النصاب، وهو أمر لم يكن غريبا، فيما اختصر رئيس البرلمان نبيه بري الأمر بقوله: «لا إمكانية لإنتاج رئيس للجمهورية بدون حصول توافق، وعندما يتوفر التوافق سأدعو الى جلسة جديدة».وبعد انتهاء فرز أصوات النواب جاءت النتائج على الشكل الآتي: 63 ورقة بيضاء، 36 ميشال معوض، 11 سليم إده، 10 لبنان، 1 مهسا أميني، 1 نهج رشيد كرامي.حزب الله وحلفاؤه صوتوا بورقة بيضاء، إذ لم يشأ الحزب الالتزام بأي مرشح ولا التصويت له، خوفا من إحراقه، وتحسبا لأن يكون محرجا مع حليفيه سليمان فرنجية وجبران باسيل، وبذلك تجاوز الحزب أي تداعيات سلبية عليه بانتظار توفر مقومات التوافق.
في المقابل، فإن القوى التي كانت سابقا منضوية في «تحالف 14 آذار» توافقت على تسمية رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض، والذي حصل على 36 صوتا، مقابل 63 صوتا للورقة البيضاء. اختير معوض لاعتبار أساسي له أهداف داخلية وخارجية، أبرزها أن الرجل هو نجل الرئيس الراحل رينيه معوض، وهو أول رئيس للجمهورية اللبنانية في ظل اتفاق الطائف، وهو شهيد اتفاق الطائف، تسميته تأتي برمزية التمسك بالاتفاق والحفاظ عليه انسجاما مع البيان الفرنسي ـ السعودي ـ الأميركي المشترك، وانسجاما مع حركة السفير السعودي. إلا أن نتائج جلسة الاختبار الأولى لم تكن إيجابية بالنسبة إلى حلفاء السعودية، إذ لم ينل ميشال معوض مثلا 43 صوتا، أي الثلث المعطل، وبالتالي لا كتلة متراصة حتى الآن قادرة على منع حزب الله من إيصال الرئيس الذي يريده من خلال الإطاحة بالنصاب القانوني لانعقاد الجلسة. حتى اجتماع دار الفتوى لم يؤد إلى النتيجة المرجوة، لأن غالبية النواب السنة لم يوافقوا على السير في خيار ميشال معوض، فبعض النواب السنة صوتوا بورقة بيضاء، والبعض الآخر منهم صوت باسم «لبنان». المشكلة الأخرى تجلت في عدم اتفاق نواب التغيير مع نواب المعارضة على اسم واحد، إذ قرر نواب التغيير التصويت لمصلحة رجل الأعمال سليم إده فنال 11 صوتا، وبناء عليه فلا نواب التغيير ولا نواب المعارضة قادرون على إنتاج الرئيس الذي يرونه مناسبا، وغير قادرين على تعطيل النصاب طالما لم يتوفر بينهم 43 نائبا بإمكانهم التفاهم على مقاطعة أي جلسة قد يلجأ فيها حزب الله إلى دعم أحد حلفائه.لا يعني ذلك أن الحزب غير مصاب بمشاكل ضمن تحالفاته، إذ إن المشكلة الحقيقية التي يعانيها الحزب هي في الجمع بين التيار الوطني الحر من جهة وتيار المردة من جهة أخرى، أي ان الخلاف المستفحل بين جبران باسيل وسليمان فرنجية لن يمنح الحزب قدرة على تأمين 65 صوتا، خصوصاً في حال قرر دعم فرنجية فلن يوافق باسيل على التصويت له، أما بحال قرر الحزب السير بدعم باسيل وهذا أمر مستبعد فإن بري وفرنجية لن يوافقا على هذا الخيار، ما يجعل المجلس النيابي هو عبارة عن مجلس لأقليات متنوعة غير قادرة على الإنتاج. بناء عليه يعود الجميع إلى القاعدة التي وضعها نبيه بري، في أن التوافق هو الأساس لإنتاج الرئيس. لذلك فإن الجلسة الأولى كانت فاتحة لمسار ولبدء معركة التفاوض على اسم يمكن أن تتوفر لديه ظروف التوافق بين القوى المختلفة.