بقايا خيال: عبدالله الفضالة وتراثه العالمي
يوم السبت الموافق 15 من شهر أكتوبر المقبل يصادف مرور 55 عاماً على وفاة الأديب والشاعر والكاتب والملحن والعازف والفنان والمطرب والمنشد والمقرئ عبدالله فضالة ارحمة السليطي المشهور بعبدالله الفضالة، تخيل أن كل هذه الألقاب كان يحملها هذا الكويتي الضرير على كاهله، ولو بحثت في مخطوطات الموسيقى العربية لما وجدت من يضاهي نبوغ هذه الشخصية بهذا القدر العظيم من الإنجازات في زمن كان أهله ومعاصروه يحاربون الفن والفنانين، ويعدونه ضرباً من الجنون والكفر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لو قارناه بالموسيقار فريد الأطرش، الذي بلغت شهرته الآفاق ويعرفه كل العرب، لوجدنا أن الفنان فريد الأطرش لم يبرع إلا في كتابة الأغنية باللهجة المصرية والتلحين والغناء فقط، أي أنه تميز في مجالات ثلاثة فقط وهو ليس ضريرا، ولأنه يحمل لقب «أمير» فقد توافرت له مختلف وسائل الاتصال بالجماهير من إذاعة وتلفزيون وسينما، لتفرش له طريق الشهرة بالورود، في حين الفنان الكويتي الضرير، عبدالله الفضالة، برع في مجالات كثيرة تنوعت بين الأدبية والفنية، ورغم ذلك لم يتقدم أحد ليسبغ عليه لقب «موسيقار»، رغم استحقاقه هذه المكانة أكثر من أي فنان آخر، فلماذا لم تصل شهرته إلى مستوى شهرة المبدعين من الفنانين العرب الذين عاصروه؟ الغريب أن عبدالله الفضالة لا يعرفه ولا يطرب لأغانيه إلا من تجاوز الستين عاماً، ورغم ذلك فإن القلة القليلة فقط تعرف اسمه الكامل، ولا تعرف أنه برع في كثير من المجالات الأدبية والدينية والفنية، الأمر الذي يجعله متفوقاً على أبناء جيله. أقول هذا لأن الكويتيين يفاخرون بعبدالله الفضالة الذي برع في كل هذه الحقول وهو فاقد نعمة البصر، فماذا كان يمكن أن يحققه هذا الضرير لو كان مبصراً؟ وما المجالات الأخرى التي كان سيقتحمها ليضيفها إلى قائمة إنجازاته الخارقة؟ وكيف كانت ستتعامل معه وسائل الإعلام، في تلك الحقبة الزمنية، لو أنها عرفت أنه نابغة زمانه؟ وأهم من هذا كله، ماذا أعدت دولة الكويت لتكريم واحد من أبنائها الذي يفاخر به الخليجيون قبل الكويتيين؟ بل ماذا أعدت الحكومة لابن الكويت من تكريم يليق بإنجازاته التي وضعته في مصاف العالميين؟
وقد وقع بين يدي ثلاث مقالات كتبها كل من الزملاء يوسف عبدالرحمن وعبدالمحسن الشمري والكاتب الإماراتي المعروف عبدالله المدني، وكتابا من الحجم المتوسط من تأليف الزميل صالح الغريب، ولا شيء غير هذا الإنتاج الأدبي في حق فنان متعدد المواهب، وقد عرفت من الأخ صالح الفضالة أن تلفزيون دولة الكويت كان قد أعد مسلسلاً في بداية الثمانينيات يحكي سيرة حياة الفنان عبدالله الفضالة، ومنع عرضه بسبب خطأ وقع فيه المؤلف أو كاتب السيناريو حول بعض الأحداث، فتسبب بإيقاف المسلسل حتى يومنا هذا، وكان بالإمكان إجراء التعديلات المناسبة لمواصلة هذا العمل التاريخي، وتسجيل تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الكويت الحديث، بدلاً من إيقافه إلى الأبد وحرمان الشعوب العربية من الاستمتاع بمدرسة فنون الفضالة، لأهمية هذه الشخصية الفذة التي كان لها الأثر البالغ في آداب وفنون منطقة الخليج. ألا يستحق الراحل الكبير عبدالله الفضالة أن توفيه الدولة حقه فتتقدم من اليونسكو للمطالبة بضم إنجازاته لقائمة اليونسكو للتراث العالمي الثقافي؟