هل بات الركود الاقتصادي العالمي حتمياً؟
يتوقع نموذج الشركة البحثية «نيد ديفيس ريسيرش» Ned Davis أن الاحتمالية الحالية لحدوث ركود في الاقتصاد العالمي تبلغ 98.1%، وكانت آخر مرة يصل فيها النموذج إلى هذا المستوى المرتفع عام 2020، وأثناء الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009.وحسبما نقلت «سي إن إن»، كتب اقتصاديو «نيد ديفيس ريسيرش»، في تقرير صدر الجمعة الماضية، «يشير هذا إلى أن خطر حدوث ركود عالمي آخذ في الارتفاع عام 2023»، ولكنهم أشاروا أيضا، في التقرير، إلى أنه ليس لديهم دليل قاطع على أن الولايات المتحدة في حالة ركود حاليا. وفي الوقت نفسه، يعتبر سبعة من أصل عشرة اقتصاديين، شملهم استطلاع من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، أن الركود العالمي محتمل إلى حد ما على الأقل.
من جانبه، توقع ستان دروكنميلر، الذي يدير مكتب عائلة «دوكين»، حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي عام 2023، يتبعه ركود في الأسواق الأميركية خلال العقد المقبل.وحسبما نقلت «سي إن بي سي»، أضاف دروكنميلر، في مؤتمر، «سأصاب بذهول في حال لم نعلن ركودا اقتصاديا عام 2023»، موضحا أن المشكلة تكمن في التيسير الكمي البالغة قيمته 30 تريليون دولار، والذي دام 10 سنوات، وقاد الأمور إلى الوضع الحالي. وأضاف: «كان على الاحتياطي الفدرالي أن يضع حدا لسياسة التيسير النقدي منذ فترة طويلة»، مبينا في مقابلة مع «بلومبرغ» أن صناع السياسة الفدرالية وضعوا أنفسهم والبلاد والشعب في وضع سيئ، وألمح إلى أن التضخم قاتل، وأن البلاد يجب أن تتمتع بأسعار مستقرة كي تتمكن من زيادة فرص العمل على المدى الطويل. أيضا، حذر الملياردير كين جريفين من أن الولايات المتحدة ستدخل في حالة ركود، ويبقى السؤال الوحيد هو متى سيحدث ذلك؟ وإلى أي مدى سيكون مؤلما؟ وقال المؤسس المدير التنفيذي لصندوق التحوط «سيتادل»، في مقابلة مع «سي إن بي سي»، «يواجه الاحتياطي الفدرالي مهمة صعبة في معالجة التضخم، لأن أسعار الفائدة أداة حادة جدا»، لكنه حث صناع السياسة على الاستمرار في رفع الفائدة بقوة للتأكد من عدم قبول المستويات المرتفعة من التضخم كأمر طبيعي. وأشار إلى أن الانكماش الاقتصادي يبدو حتميا الآن بالنسبة للولايات المتحدة، وأنه سيكون هناك ركود.وبدأت سوق الأسهم الأميركية في إرسال إشارات واضحة على أن الركود الاقتصادي وشيك الحدوث. يأتي ذلك، وفقا لنموذج التداول الذي أنشأه الاستراتيجيون في «جي بي مورغان»، والذي أكد تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 6.5% منذ قرار مجلس الاحتياطي الفدرالي الأسبوع الماضي برفع الفائدة 75 نقطة أساس، مشيرا إلى ارتفاع احتمال الركود إلى 92%، من 51% في أغسطس، كما أن الأصول الأخرى تومض أيضا بتحذير مشابه، إذ يحمل تسعير المعادن الأساسية الآن احتمالية ركود بنسبة 96%، ارتفاعاً من 84% في أغسطس، وفقاً لما ذكرته «بلومبرغ».وتظهر إعادة التسعير الحادة، بداية من الأسهم إلى سندات الخزانة والدولار، أن الأسواق بدأت تقبل أخيرا إشارات واضحة من استعراض مسؤولي بنك الاحتياطي الفدرالي بأنهم على استعداد لقبول الركود الاقتصادي كثمن لتهدئة التضخم. ولأكثر من عقد من الزمان، كان البنك المركزي هو أفضل صديق للسوق، لكن الارتفاع الكبير في الأسعار ترك الفدرالي يركز فقط على كبح جماح التضخم، بغض النظر عن تأثير ذلك على أسعار الأصول.وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في «باركليز بي إل سي» إيمانويل كاو: «لا يمكن للبنوك المركزية أن ترمش بالنظر إلى التضخم المرتفع، لذا فإن النمو الأضعف وعدم تدخل البنوك المركزية ليس جيدا للأسهم».ولعدة أشهر حذر الخبراء في السوق من أن بنك الاحتياطي الفدرالي قد تأخر في جهوده لمحاربة التضخم. الآن، بعد 3 اجتماعات متتالية قدمت زيادات في أسعار الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع النقطة وسلسلة من التحذيرات من أن المزيد من الزيادات كانت وشيكة، بدأت الأسواق في تسعير اتجاه بنك الاحتياطي الفدرالي المستقبلي بصورة أكثر تشددا.ودفع البيع عبر الأصول عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2008، ومؤشر S&P 500 إلى أدنى مستوى له في 2022.من جانبه، قال كبير استراتيجيي الأصول المتعددة في HSBC Holdings Plc، ماكس كيتنر: «لم يعد التراجع يقتصر على فئة أصول واحدة، ولكنه ينتشر عبر فئات أصول متعددة، وهذه العلامة النهائية للعدوى... حتى الآن، لا توجد آثار غير مباشرة على الائتمان، حيث سنرى معظم المخاطر غير المباشرة في الأسهم بالأسابيع والأشهر المقبلة».وتبخرت الثقة بأن بنك الاحتياطي الفدرالي قد استيقظ بسبب انهيار الأسواق، وأن الاقتصاد المتعثر سيدفعه للتراجع عن مساره المتشدد، وفقا لما قاله لويس غرانت، كبير مديري المحفظة في Federated Hermes.وكانت هذه الآمال حية حتى الأسبوع الماضي، بعد قرار السياسة الأخير لمجلس الاحتياطي الفدرالي الذي جاء بتحذير كبير من رئيس الاحتياطي جيروم باول من التباطؤ المؤلم اللازم لكبح ضغوط الأسعار عند أعلى مستوياتها في 4 عقود.وباتت السندات الحكومية من بين 5 مقاييس للركود عبر الأصول، حيث تنخفض الاحتمالات ظاهرياً، إذ تتحرك العائدات بشكل عكسي للتوقعات لتعكس ارتفاعات الأسعار، على الرغم من أن الركود قد يؤدي عادة إلى انخفاض العائدات.ويحسب «جي بي مورغان» المقاييس من خلال مقارنة قمم ما قبل الركود من مختلف الفئات وقيعانها خلال الانكماش الاقتصادي. كما قفزت التوقعات بين الاقتصاديين في نفس الفترة إلى إجماع 50% من 40%.وتظهر التوقعات المتوسطة أن مسؤولي الاحتياطي الفدرالي يتوقعون معدلات 4.4% بحلول نهاية هذا العام، لترتفع إلى 4.6% في عام 2023، وهذا يعني 125 نقطة أساس أخرى هذا العام، في إشارة إلى أن الاحتياطي الفدرالي سيواصل حملته الصارمة للتضييق. وكتب غرانت: عبارة «الهبوط الناعم» تسير الآن في طريق عبارة «التضخم العابر».