مات 47،646 شخصاً في الولايات المتحدة انتحاراً العام الماضي، وفقاً لتقرير جديد صادر عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، أي بمعدل حالة وفاة انتحاراً كل 11 دقيقة.لطالما شكّل الانتحار مصدر قلق متزايد، بعدما ارتفعت معدلاته بنسبة 31% خلال الـ20 سنة الماضية، وفق بيانات الوكالة، لكنّ الخبراء انقسمت توقعاتهم بشأن تداعيات الجائحة.
قلق متزايد
وقد تؤدي العزلة والضغوط الجديدة الأخرى إلى أعباء ثقيلة، لكن التغييرات القسرية قد تساهم بالتخلّص من الضغوط السابقة، والعثور على العزاء وسط الأزمة المشتركة.واستمر الانخفاض في معدلات الانتحار عامي 2019 و2020، لكن تقرير مراكز مكافحة الأمراض، الذي صدر الجمعة، أظهر أن عام 2021 خالف ما سبق من تحسن، وأعاد معدلات الانتحار إلى مستويات شبه قياسية، أي حوالي 14 حالة وفاة انتحاراً لكل 100 ألف شخص.الجائحة وصعوبات جديدة
وربما أسفرت الجائحة صعوبات جديدة في حياتنا، لكن الخبراء يقولون إن الأسباب العديدة التي قد تدفع الشخص إلى الإقدام على الانتحار لها جوهر مشترك.وقالت سارة بروميت، مديرة اللجنة التنفيذية لتحالف العمل الوطني لمنع الانتحار، إنّ هناك فرق بين ما قد يجعل الشخص يفقد الأمل.وأضافت «عندما نتحدث عن دوافع اليأس الانتحاري، فإننا نتحدث عن الألم، وفقدان الأمل في أنّ الأوضاع قد تتحسن».وأوضح جاستن بيكر، عالم نفس وأستاذ مساعد بكلية الطب في جامعة ولاية أوهايو أنّ الاعتقاد السابق أنّ الانتحار يبدأ بالتفكير، ومن ثم ربما محاولة الانتحار مرات عدة، وصولاً إلى الانتحار، إلا أنّ هناك من يتخطى هذه المراحل.دقائق معدودة
وفي الحالتين، غالباً ما تفصل مجرد دقائق معدودة بين الوقت الذي يقرر فيه الشخص الانتحار ووقت الإقدام على الانتحار، بحسب الخبراء.لكن عادة ما يكون هناك دافع، مثل الانفصال عن الشريك، أو المرور بأزمة مالية، أو التعرّض للعنف، أو أي صدمة أخرى.وقال بيكر «لا يمكن لهذا الفرد التفكير في مخرج من هذا الموقف، أو إيجاد استراتيجية بديلة لحله، لذا فهم يرون أنّ الانتحار هو الحل لذلك الضيق أو الألم الهائل».مع ذلك، أكد بيكر، أنّ معظم الناجين من محاولات الانتحار يقولون إنهم لا يريدون الموت حقاً، بل يريدون فقط تلقي المساعدة للتغلب على هذا الألم الفوري.رغم أنّ بيانات مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها تظهر زيادة بحالات الانتحار بين عامي 2020 و2021، يُشير الخبراء إلى أنه من الصعب استخلاص استنتاجات جراء تغيير تم خلال عام واحد.معدلات مستقرة نسبياً
وتعد المعدلات مستقرة نسبياً مقارنة مع ما كانت عليه قبل ثلاث أعوام.وخلال الأعوام الأخيرة، أحرز تقدّم على الجبهتين الحرجتين، أي خيارات أفضل لمعالجة الأزمة الفورية وبناء الدعم لموارد الصحة النفسية الأوسع.وقالت دورين مارشال، عالمة طب النفس ونائبة رئيس مهمة المشاركة مع المؤسسة الأمريكية لمنع الانتحار، إنّ معدلات الانتحار لم ترتفع بالطريقة التي اعتقدها الكثير من الناس أثناء الجائحة، ويرجع ذلك جزئياً إلى جهود العديد ممن كانوا يحاولون تجنب ما كان يخشى حدوثه.وكان هناك وعي متزايد وتعلّم من جانب الجمهور حول ماهية الصحة النفسية وكيفية مساعدة شخص يكافح، وفقاً لمارشال.مع ذلك، لا تزال هناك تحديات خطيرة.إدارة عوامل الخطر
عام 2021، أظهر تقرير مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها، أنّ معدل الانتحار بين الرجال في الولايات المتحدة كان أعلى بأربع مرات مقارنة مع النساء، وهو تفاوت مستمر في النمو.وكان هناك حوالي 23 حالة انتحار لكل 100 ألف رجل عام 2021، مقارنة مع نحو 6 حالات لكل 100 ألف امرأة.وأشار البعض إلى الأسلحة النارية كعامل خطورة.ورغم أنّ تقرير مراكز مكافحة الأمراض الجديد لا يتضمن بيانات حول وسائل أو محاولات الانتحار لعام 2021، إلا أنّ بيانات عام 2020 تُظهر أنه مقابل كل شخص مات منتحراً، سُجّلت ثماني زيارات للمستشفيات مرتبطة بالانتحار، و27 محاولة انتحار.واستخدمت الأسلحة النارية في أكثر من نصف حالات الانتحار.امتلاك السلاح
ومن المرجح أن تتواجد الشابات في غرفة الطوارئ بعد محاولة انتحار، فيما قد يموت الرجال الأكبر سناً نتيجة لمحاولة انتحار، وهو أمر مرتبط ارتباطاً مباشراً بملكية الأسلحة النارية، وفقاً لآري فريليتش، من مركز جيفوردز القانوني لمنع عنف السلاح.وامتلاك سلاح ناري لا يجعل الشخص أكثر عرضة للإقدام على الانتحار بالضرورة، لكن سهولة الوصول إليه أثناء الأزمات، قد يشكل مزيجاً كارثياً، وفقاً لما قالته بروميت.ومع تسجيل مبيعات قياسية للأسلحة النارية عام 2020، تزداد المخاطر مع زيادة حيازة الأسلحة في المنازل.وأشار فرايليتش إلى أنّ استخدام الأسلحة النارية مميت مقارنة مع طرق الانتحار الأخرى الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة.والغالبية العظمى، أي 9 من كل 10 أشخاص، من الذين حاولوا الانتحار باستخدام مسدس، يموتون نتيجة لذلك.وأضاف فرايليتش أنه حتى إن لم تنجح بمنع الناس من محاولة الانتحار، فإن استبدال الوسائل، أي الوصول إلى الأسلحة النارية، من شأنه أن ينقذ حياة غالبية الناس.صراعات الصحة النفسية
لكن الخبراء يقولون إنّ صراعات الصحة النفسية، ضمنا التفكير بالانتحار، يمكنها التأثير على أي شخص.ويُعتبر الانتحار أحد العوامل الرئيسية للوفاة المبكرة في الولايات المتحدة بشكل عام، وهو ثاني سبب رئيسي للوفاة بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و34 عاماً، وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض.بين عامي 2020 و2021، زادت وفيات الانتحار بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 10 و14 عاماً، أكثر من أي مجموعة أخرى، يليها الفتيان والشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، وفقاً للتقرير الجديد من مراكز مكافحة الأمراض.وفي عام 2021، أعلنت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال حالة الطوارئ في ما يتعلق بالصحة النفسية لدى فئة الأطفال والمراهقين.وقال بيكر «الآن بعد أنّ فتحنا المجال للحديث عن الصحة النفسية، علينا التأكد من أن بنيتنا التحتية قادرة على استيعاب جميع الأشخاص الذين يرغبون بمعالجة صحتهم النفسية».