من المنتظر أن يطلق عهد رئيسة الحكومة البريطانية، ليز تروس، حقبة مختلفة في مجال السياسة الخارجية، حيث ستتابع تروس على الأرجح جزءاً كبيراً من سياسات سلفها المحلية، لكن ستكون السياسة الخارجية في عهدها مختلفة بالكامل عن التوجهات الماضية، وقد يتعلق أبرز اختلاف بوضع حد لفكرة «العصر الذهبي» مع الصين.لقد انتهت الأيام التي حرصت فيها بريطانيا على استكشاف الطرق التي تسمح لها بتقوية علاقاتها الاقتصادية مع الصين. في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الذي أعلن نفسه مؤيداً للصين، اعتبرت الحكومة البريطانية خلال فترة معينة بكين شريكة أساسية قد تصبح بديلة عن الاتحاد الأوروبي، وقامت باستثمارات خارجية كبرى في حقبة ما بعد «بريكست»، لكن حين بدأت بكين تطلق حملات قمعية ضد هونغ كونغ وحصل شرخ في علاقاتها مع لندن، تلاشت تلك الآمال سريعاً واستُبدِلت بتشكيك علني ببكين في عهد تروس، حتى أن رئيسة الوزراء الجديدة أعلنت صراحةً أن الصين تطرح تهديداً على المملكة المتحدة.
من المتوقع أن تبذل تروس قصارى جهدها لتقليص وجود الشركات الصينية في قطاعات أساسية، ولإبقاء الشركات الناشطة في أهم المجالات بيد أصحابها البريطانيين، فقد سبق أن تعهدت أصلاً «بقمع» التطبيق الصيني «تيك توك» ومنافسيه خلال حملتها الانتخابية، فدعت بريطانيا إلى الحد من «كمية الصادرات التكنولوجية إلى الأنظمة الاستبدادية». كذلك، قد تحصد أي تدابير عقابية من هذا النوع دعماً قوياً من السياسيين القلقين من تدفق البيانات من بريطانيا إلى الصين.تواجه تروس ضغوطاً محلية لكبح التضخم، لكنها تتعامل أيضاً مع خلافات داخلية كبرى بدأت تتّضح للعلن، إذ يتصاعد الخلاف داخل حزب المحافظين حول مستوى التواصل المناسب مع الصين، ونجحت تروس، من خلال طريقة تشكيلها للحكومة، في إبطال مواقف معارضَين سابقَين لسياستها تجاه الصين من خلال ضم توم توغندهات ونصرت غني إلى أوساطها الداخلية، علماً أنهما من أكثر النواب تأثيراً. بدأ النواب المنتمون إلى حزب المحافظين يتحولون إلى معقلٍ يزداد تشكيكاً بالصين، لكن يحمل كل طرف في هذا المعسكر رؤيته الخاصة حول أنسب طريقة تواصل بين بريطانيا وبكين.من المنتظر أن يدفع أعضاء البرلمان تروس إلى خوض مواجهة مباشرة مع الصين في نهاية المطاف، لكن هل سيدفعونها إلى فرض عقوبات اقتصادية تستهدف «شينجيانغ»، أم تكثيف التعاون العسكري مع تايوان، أم وقف التواصل الدبلوماسي بشكلٍ دائم؟ لتأجيل أي صراع داخلي مستقبلي، يجب أن تنقل تروس رؤيتها حول الصين بطريقة قادرة على إقناع أكثر الأصوات تأثيراً وصدامية في البرلمان.قد تتّضح قدرة تروس على التحكم بالمعارضين في البرلمان إذا نجحت في إقناع رئيس لجنة الشؤون الخارجية البريطانية بأن حكومتها تعمل على تنفيذ رؤيتها في مجال السياسة الخارجية، فقد طلب ستة برلمانيين من السياسيين الآخرين أن يدعموا حملاتهم لملء هذا المنصب، وانتقد جميع المرشحين الصين، لكن يحمل كل واحد منهم رؤية مختلفة حول طريقة التعامل مع العلاقات البريطانية الصينية، حتى أن أولوياتهم مختلفة، وهي تتراوح بين الرغبة في التركيز على حقوق الإنسان في «شينجيانغ»، وقضية هونغ كونغ، وإصلاح السياسة الصناعية للمشاركة في الدفاع عن تايوان.يُفترض أن تستنتج تروس قريباً أن اعتبار الصين مصدر تهديد والتعهد بإحداث تغيير حقيقي مسألة مختلفة عن تنفيذ رؤية استراتيجية تزامناً مع تصاعد الضغوط الاقتصادية وتمرّد أعضاء البرلمان، قد يتطلب التحكم بالعلاقات المعقدة بين المحافظين الذين يحملون وجهات نظر متضاربة براعة سياسية فائقة، لكنّ السيطرة على علاقات تزداد اضطراباً مع قوة عالمية عظمى تستلزم جهوداً من نوع آخر.*سكوت سينغر وسام هوغ
مقالات
العصر الذهبي للعلاقات البريطانية - الصينية انتهى
02-10-2022