إيران من الداخل
في نهاية آخر مقال لي في «الجريدة» طرحت السؤال المثير للجدل، وقلت إن المشكلة ليست في الحجاب فقط، بل أكبر وأعمق من ذلك بكثير، إنما «انتفاضة النساء» بسبب الحجاب قد تكون بداية التغيير فقد فتحت النوافذ جيداً أمام جدران نظام محكوم بثوب ديني. طبعاً هناك فارق لا يقاس بين «الحجاب الأزهري» إذا صح التعبير أو الحجاب الخليجي الشائع وبين ما هو موجود في الشارع الإيراني، وكما قال سامح المصري الذي عاش 8 سنوات في إيران في عهد محمود أحمدي نجاد في لقاء له على قناة «اليوتيوب» إن حجاب المرأة الإيرانية، مودرن جدا و«دمه خفيف». لن نناقش، ما إذا كان الحجاب هو السبب في حالة الرفض والتمرد المستمرة منذ أسبوعين، أو كيف هي حال «الإسدال» كما يسمونه في إيران، الموضوع متصل بمدى قدرة النظام على المواجهات المفتوحة، وما إذا كان الحراك النسوي مقدمه لانتفاضات متلاحقة تخرج إلى الشارع وتحت عناوين أخرى.
البعض يرجع الأزمة إلى أسباب سياسية وضغوط اقتصادية تمارس من الغرب ضد إيران، وهذا أمر يمكن تبريره وتفهمه في إطار «الحروب القائمة» بين طهرن وواشنطن بالدرجة الأولى، وغيرها من الدول ومن ضمنها إسرائيل. احتجاجات الشارع تبقى أكثر خطورة على النظام، بعدما تخلص من شيء اسمه «معارضة سياسة» في الداخل، فالشارع لا تحكمه قواعد أو لعبة سياسية من خلال صناديق الاقتراع وعدد النواب داخل المجالس المنتخبة كالشورى أو غيره، بل هذا يفيض إذا زاد الفقر إلى الحدود الدنيا، وارتفعت تكاليف المعيشة وضاق صدر الشعب بالقيود التي تفرض على أسلوب حياته وعلى حرية التعبير والحريات بشكل عام، فإذا ما تمادى النظام في إحكام قبضته الحديدية، فلربما يصبح الطريق مهيأ أكثر «لثورة» قد تشبه الوجه الآخر، لثورة عام 1979 ضد الشاه. كثيرون راهنوا على سقوط «نظام الملالي» في بداية الاحتجاجات كما كتب لي الراصد والناشط الإعلامي علي أحمد الخياط، متسائلا، هل للغرب يد في تصعيد المظاهرات ؟ وهل فعلاً أميركا مستعدة للتضحية بهذا النظام لضرب الإسلام من الداخل، وضرب الشيعة بالسنّة ليتقاتلوا فيما بيهم، ثم يسوقون بعض الأمثلة على ذلك؟ انظروا ماذا توفر بريطانيا من دعم وأرضية لعشرات القنوات الإعلامية الشيعية والسنيّة معاً وشغلها الشاغل إشعال الفتن بين المسلمين وزرع الحقد والكراهية. لن نتحدث عن الخاسرين في هذه المعركة، وعن الموارد التي يتم تبديدها والصراعات المستمرة، وتنامي الجهل والشقاق بين «أبناء الأمة الإسلامية»، فالقصة تبدأ عند النظام القائم في إيران وتنتهي عنده، فهل يتراجع ليعاد تأهيله ويعيد إنتاج نفسه من جديد؟ أم يستمر ويقوي أذرعه وأدواته ويعبر «شط الإعصار» بأمان؟ إيران من الداخل تبقى هي المدخل الأصلح لفهم وتحليل ما يجري هناك، فما يكتب من الخارج يعتمد على تقارير في أغلبها موجه ويخدم غرضا سياسيا معينا موضوعا في إطار واحد أي أنه «مؤدلج» في قالب مصنوع له خصيصاً.. قرأنا كتاب فهمي هويدي الصادر عام 1987 وتابعنا الحدث آنذاك وهو جهد بحثي وفكري استغرق العمل فيه سبع سنوات أما اليوم فالقراءة مختلفة، سيكون من المفيد أن نقرأ وقائع وتحاليل تخرج من الداخل وإن كان هذا العمل ليس بالأمر السهل أو الهين وعسى أن يتمكن الزميل والباحث المقتدر الدكتور حامد الحمود من زيارة إيران كما تمنى ذلك في مقالته المنشورة في «القبس» بعنوان «هل تسقط نساء إيران قانون فرض الحجاب» سواء قبل إزالة اللوحة المعلقة في مطار مهرآباد في طهران أم بعدها والداعية إلى لبس الحجاب إلزامياً. هناك دراسات وكتب ذات قيمة معرفية وفكرية تصدر في لحظة تاريخية مفصلية تبقى مرتبطة بالحدث وتشكل مرجعية مهمة، كما هي الحال مع كتاب «من بلاط الشاه إلى سجون الثورة» لمؤلفه إحسان نراغي، عالم الاجتماع الإيراني ومؤسس معهد الأبحاث الاجتماعي في طهران والذي قدم للقارئ «شهادة أمينة» لسقوط حكم الشاه، وهو ممن عايشوا عن كثب سقوط إمبراطورية آل بهلوي وولادة «الثورة الإسلامية»، وللعلم هذا الكتاب صدر عن دار الساقي في بيروت ويعرض لدى دار ذات السلاسل في الكويت.فهل ستخرج تلك الدراسات أو الروايات والكتب قريباً.. دعونا نرصد وننتظر.