مرافعة: حضورك سلبي!
في الوقت الذي أكد قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية حق المحامي في حضور التحقيقات التي تجريها سلطة التحقيق بالقضايا الجزائية، والتي تحقق فيها النيابة العامة بقضايا الجنايات أو الجنح المختصة أو الإدارة العامة للتحقيقات في قضايا الجنح العادية، فإن الواقع العملي يكشف عن تحجيم دور المحامي وأداء مهامه أثناء التحقيق عند الحضور مع موكله في القضايا الجنائية.ومثلما تحرص سلطات التحقيق القضائية على ضمان إجراءات التحقيق وعدم ضياع الأدلة المرتبطة بسير الدعاوى الجزائية عندما تمارس التحقيقات الجنائية، فإن المحامين كذلك يحرصون على استفادة موكليهم من الضمانات الدستورية والقانونية المكفولة لهم ولموكليهم أثناء فترة التحقيق.ومثل تلك الضمانات تستدعي، بحكم اللزوم، أن يطلب المدافع مع المتهم من سلطة التحقيق بعض الإيضاحات أو الشواهد أو الاطلاع على أوراق التحقيقات، أو إطلاع المتهم على الإفادات الصادرة من ضابط الواقعة، إلا أن ردّ بعض السادة المحققين الأفاضل يكون بأنه لا يمكن لك كمحامٍ الحديث في التحقيق، وأن حضورك سلبي!
المشرّع الكويتي لم ينصّ صراحة على ذلك، ولم يقرر سلبية هذا الحضور من قبل السادة المحامين، وهو ما يشير إلى عدم الإيمان بدور المحامي لدى التحقيقات الجنائية في ظل صراحة النصوص القانونية التي توجب حضور المحامي للتحقيق، في حال طلب المتهم صراحة ذلك لدى جهة التحقيق، إلّا أنّ ما يحدث من قبل بعض السادة المحققين، مع الأسف، لا يتفق مع أحكام القانون ورغبة المتهم في حضور محاميه، إذ يطلب من المتهم الاستمرار في التحقيق، وبعضهم - نظراً لقلة خبرته - في التحقيق يسعى إلى أن يُوقع المتهم في التحقيق، ويحصل على إفادات أو إقرارات ولو جزئية باتصاله بالواقعة الجنائية، رغم أن الإنكار للتهم وللوقائع حق خالص للمتهم، ولا يجوز منازعته فيه. ورغم أهمية حضور المحامي للتحقيقات مع المتهم، فقد أوجب مثلا قانون الأحداث على سلطة التحقيق حضور محام معه الى التحقيق، إلا أن بعض الوقائع القضائية التي عرضت أمام المحاكم عكست عدم الالتزام بذلك، وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً مهماً، وهو ما قيمة التشريعات التي تكفل أحد حقوق المتهم، ولو كان حدثاً، بوجوب حضور محام للتحقيق معه، وعدم جواز البدء به إلا بعد ندب أي من المحامين؟أخيراً، يتعيّن تأكيد أن ليس للمحقق دور في إدانة المتهم أو براءته في الوقائع المنسوبة إليه، كما أنه ليس لمصلحته التساهل معه أو مع دفاعه الحاضر، لكونه في هذه المرحلة يمارس عملاً حيادياً، ويكفل للمتهم حقوقه ويسعى إلى تحقيقها، والتي من بينها حق المتهم في الحديث مع محاميه، واللقاء به، وهي حقوق يُفترض أن تكون مشروعة!