ضمن الموسم الثقافي الـ 27 لدار الآثار الإسلامية، أقيمت بمركز اليرموك الثقافي المحاضرة الأسبوعية بعنوان «الآلات الموسيقية والأدوات المستخدمة في أداء الصوت»، حاضر فيها د. أحمد الصالحي، وقدَّم المحاضِر وأدار حوله النقاش رئيس ديوانية الموسيقى بدار الآثار م. صباح الريس. وفي تقديمه، ذكر الريس أن د. الصالحي حاصل على شهادة الدكتوراه من رويال هولواي- جامعة لندن، في المملكة المتحدة، تخصص علم موسيقى الشعوب (Ethnomusicology)، ويعمل كمحاضر في المعهد العالي للفنون الموسيقية.
بعدها استهل د. الصالحي المحاضرة، حيث قال: «غناء الصوت في الكويت والبحرين وبقية المناطق له خصوصية كبيرة، بسبب تميز هذا الفن بألحانه وآلاته وإيقاعاته، وغير ذلك من الجوانب الموسيقية، ولارتباطه بجميع شرائح المجتمع القديم في المنطقة، سواء مجتمع البحارة، أو مجتمع العمال، أو مجتمع المدينة. وتحوَّل الصوت مع ظهور الدولة الحديثة، من بداية الستينيات، إلى فن يمثل هوية شعوب المنطقة الثقافية، لقيمته أدبياً وموسيقياً، ولتداخله مع جميع أطياف المجتمع المحلي». وذكر د. الصالحي أن الآلات الموسيقية في أداء الصوت تمثل دائماً عنصراً مهماً في تميزه وتفرده عن بقية الفنون الشعبية.
قالب الصوت
وعن قالب الصوت، قال: «الصوت مصطلح موسيقي له معانٍ مختلفة، فهو يُقصد به الأغنية عند العرب القدماء، ونجد ذلك في كتب تراثية عديدة، مثل الأغاني للأصفهاني والأدوار للأرموي، في حين أن المصطلح هذا كان يرمز للأغنية العربية التي كانت تقدم في البلاط العثماني بالقرن السادس عشر، فكل غناء عربي هو صوت عندهم. وفي شبه الجزيرة العربية، وحتى فترة قريبة نسبياً، كان الصوت مستخدماً بأماكن مختلفة، فهو يرمز للأغنية المحلية المؤداة على العود بمنطقة الحجاز، وهذا موجود في تسجيلات تمت عام 1911 تقريباً. وفي الكويت والبحرين وبقية مناطق ساحل الخليج العربي، كان الصوت كمصطلح مرتبطاً بلون معيَّن من الغناء، ولا يُطلق على غيره من الفنون، لذلك هو دائماً مرتبط بهذا النمط الذي نعرفه إلى اليوم باسم الصوت».العود الهندي
وقدَّم د. الصالحي عدة نماذج للآلات المستخدمة في أداء الصوت، فعن آلة العود، أوضح: «آلة العود المتداولة اليوم بين الموسيقيين العرب والأتراك والفرس، من أشهر الآلات الموسيقية في المنطقة، لكنها كانت من الآلات نادرة الاستخدام في شبه الجزيرة العربية، حتى سنوات قليلة بعد الحرب العالمية الأولى. وكان الموسيقيون في الكويت والبحرين يستخدمون نوعاً مختلفاً من العود، ويُطلق عليه العود الهندي، وقد اندثرت هذه الآلة قديماً، ولم يبقَ لها أي وثيقة تثبت وجودها أو هيئتها». وأضاف: «ما ذكره الموسيقيون القدماء والرواة في وصف العود الهندي، أنه يختلف كثيراً عن العود العربي، من حيث الشكل والمواد الداخلة في صناعته، حيث يحتوي العود الهندي على أربعة أوتار، ثلاثة منها مزدوجة والرابع مفرد. ولكل وتر اسم يميزه، فالوتر الأول (من الأسفل) اسمه (الشرار)، والثاني (المثاني)، والثالث (المثالث)، أما الرابع والأخير فهو (اليتيم)، لأنه وتر مفرد، ونادراً ما يُعزف عليه»، لافتاً إلى أن مصطلح «اليتيم» أشار إليه محمود الكويتي ومحمد زويد، اللذان عاينا هذا العود ومارسا العزف عليه، وكذلك أشار إليه فهد العسكر في قصيدة «على نغمات العود»، التي سجلها عبداللطيف الكويتي على أسطوانة. وذكر د. الصالحي أن من أشهر من عزف على العود الهندي عبدالله الفرج ويوسف البكر، والأخير أطلق على عوده اسم «بطلوس»، ومحمود الكويتي عزف عليه لمدة طويلة، قبل أن يشتري عوداً عربياً من صانع عراقي.العود الشامي
وفي حديثه عن العود الشامي، أوضح أن ما يميزه عن العود الهندي، عدا شكله، طريقة تصنيعه، حيث كان يُصنع من قطع خشبية متفرقة يتم تجميعها وتثبيتها مع بعضها البعض، كذلك يحتوي العود على خمسة أوتار، مقابل أربعة في العود الهندي.ولفت إلى أن أغلب مطربي الصوت هم عازفون على العود أيضاً، والاستثناءات قليلة، مثل: عبداللطيف الكويتي، وملا سعود المخايطة، حيث كانا يغنيان الأصوات ولا يضربان على العود، مشيراً إلى ثلاثة مطربين كانت لهم إضافات بارزة في مسألة تطور العزف على العود في الصوت، هم: داود الكويتي، ومحمد بن فارس، وحمد خليفة.آلة الكمان
وفيما يتعلق بآلة الكمان، أوضح د. الصالحي أنه كان موجوداً في الفرقة الموسيقية المؤدية لغناء الصوت في عشرينيات القرن الماضي، سواء في الكويت أو البحرين، لكن المراجع القديمة لم تقدم تفاصيل كافية عن الكمان قبل هذا العقد، والوحيد الذي تكلم عنه قديماً هو الباحث يوسف دوخي، الذي ذكر أن آلة الكمان كانت متداولة بالكويت في أواخر القرن التاسع عشر، وأشار إلى العازف علي الخضر أو الأخضر. وبيَّن أنه رغم أن الكمان يُعد أداة إضافية أو غير أساسية في الفرقة الصوت، لكن له تأثير كبير على الأداء الارتجالي.فن متطور
وفي ختام المحاضرة، قال د. الصالحي: «الصوت هو فن متطور ومتغير، غير جامد وساكن، يستسلم في أدائه لذائقة مؤديه، فيغير في الآلات بما يلائم موسيقاه، ويضيف من الآلات ما يجمّل من أداء الصوت لا إضعافه أو لإعطائه سمة موسيقية تشبه ثقافة أخرى. إن هذه المتغيرات في الآلات والأداء والتصفيق ساهمت إلى اليوم في جعل الصوت أبرز فن متوارث بالكويت ينافس بشعبيته الفنون المعاصرة، بسبب قدرته على التغير والتطور بما يتلاءم مع نمط موسيقاه وذائقة الجمهور، في حين أن بقية الفنون الشعبية أصبحت تصارع النسيان، أو قد يكون بعضها اندثر».