في ظل النظام البرلماني الكويتي بملاءماته السياسية التي وُلد في كنفها بدستور 1962، وفي ضوء نظام انتخابي مشوَّه ومعلول منذ 1981، خضع للتجريب والتجاذب والأهواء من السُّلطة ومن مجلس الأمة، رغم ذلك كُله، تمكَّنت الأمة (ممثلة بالشعب الكويتي)، من توجيه رسائل واضحة لجميع المعنيين، مللنا تجريباً وتشرذماً وفردية، إذ أفرزت بجولتين انتخابيتين مجلسين متعاقبين بأغلبية برلمانية بصبغة إصلاحية، للعمل جماعياً لإصلاح مسار السُّلطتين التنفيذية والتشريعية، بعد انحراف كل منهما عن مسؤولياته، وهيمنة الفردية، وردود الفعل بلا برنامج ولا قضايا محددة، فكانت رسالة الأمة لهما «إصلاحكما صار حتمياً».فعلى مستوى السُّلطة التنفيذية، أظهر الناخبون عدم الرضا عن نمط تشكيل الحكومات، سواء بأسلوب تشكيلها بعيداً عن قراءة توجهات الأمة، التي تتطلَّع إلى حكومة إصلاح وتوافق وطني، تنطلق من فريق كفؤ واثق نزيه ومتوافق بشخصيات بحسٍّ وطنيٍّ، خالية من الترضيات والمحاصصة والشخصيات الهلامية الفاقدة لإرادتها، وتعمل تبعاً لنفر معين. نعم، هذه رسالة الناخبين «حكومة رجالات دولة بمعنى الكلمة»، تُعيد الاعتبار لمجلس الوزراء، وتصون مؤسسيته، كما رسمها الدستور، لتهيمن على مصالح الدولة، وترسم سياساتها، ولا تقبل بأن تفرِّط في صلاحياتها، أو تتراجع عن المسار الإصلاحي توجساً من المساءلة أو لأي تبريرٍ كان.
أما على مستوى مجلس الأمة، فإن الناخبين عبَّروا عن «ضرورة إصلاح بيت الأمة»، وتجلَّى ذلك برفضهم للعمل البرلماني الفردي والتسابق المحموم الذي ينشغل به الأعضاء لصُنع أمجاد وهمية بمقترحات أو أسئلة بلا جدوى، أو تدخلهم في عمل السُّلطة التنفيذية، وممارسة الابتزاز السياسي والتكسُّب الانتخابي الذي أرهق البلد، بانحراف برلماني مشهود، بدءاً من نُظم انتخابية تحقق مآربهم، وتضمن لهم مقاعدهم، مُثقلة بالعصبيات والفئوية والمناطقية والقبلية والطائفية، بدلاً من نظام انتخابي يفتت العصبيات بمنطلقات تعزز العدالة والنزاهة والتنافس البرامجي والخطاب الوطني، لتجويد مخرجات الانتخابات وضمان تجانس أعضائه وقبولهم للعمل المؤسسي.وينبغي على الأعضاء؛ فرادى ومجتمعين، أن يقرأوا رسالة الناخبين لهم بشكل صحيح، بعد أن تمكَّنوا من اختيار مجلس متوافق الأعضاء ذي صبغة إصلاحية، رغم تشوُّه النظام الانتخابي.ولعل «إصلاح بيت الأمة»، بوضع نظام انتخابي وطني رشيد لا جغرافي بعيداً عن العصبيات والمناطقية والفئوية والشخصانية التي ما زالت تأسر البعض، ولنضمن أعضاء يحققون غايات النظام البرلماني، ونظن أن نظاماً قوامه يوم ميلاد الناخب بتوزيع متماثل العدد لخمس دوائر، وبتوزيع عشوائي قبل كل انتخابات، وبنظام القائمة والتمثيل النسبي، أو أي نظام مشابه يحقق تلك الاعتبارات، هو مطلب الناخبين.ومن ذلك تعديلات مستحقة للائحة الداخلية للمجلس، تحقق نزاهة الأعضاء ومنع تضارب المصالح، والتكسُّب والابتزاز السياسي والتدخل في عمل الحكومة أو ابتزازها، ومحاولات التربح أو التنفيع، وتشكيل لجنة للقيم والسلوك البرلماني تتلقى الشكاوى على الأعضاء، وترصد سلوكياتهم، وتتخذ إجراءات فورية ومباشرة للتنويه وللتنبيه أو أي إجراءات رادعة أخرى. ومن ذلك إعادة المجلس لمساره السابق الصحيح، بجعل جلساته أسبوعية، كما بدأ، وقبل ظهور بدعة الأسبوعين، التي أخلَّت بالعديد من النصوص الدستورية واللائحية، ومنحت أعضاء مجلس الأمة وظيفة «بارت تايم»، فتفاقمت ظاهرة الغياب عن الجلسات واللجان، بسبب المجاملة والتساهل في قبول العذر والترضيات.ورسالة الناخبين أيضاً، أن تكون للمجلس قضايا محددة وجدول زمني لإنجازها، خصوصاً ما هو مُلحٌّ، مثل: الإسكان والتعليم والتطبيب والوظائف وبنية البلد التحتية، وألا تتقاذفه قضايا هامشية، وتتعطَّل جلساته لمجرَّد غياب الحكومة بفهم خاطئ للمادة 116.وإلغاء قانون المسيء أو آثاره المجردة للحقوق لتصحيح اتجاهات قضائية غير مقبولة، وقانون العفو العام، وإلغاء كل القوانين المُكبِّلة للحريات وحماية الأموال العامة بإجراءات استرداد عملية براً بقسمهم القادم بعد أيام.
أخر كلام
رسالة الأمة... إصلاح بيت الأمة
05-10-2022