إحدى أيقونات الغرب، رمز شهير لواحة الأمان ودولة الحياد الأشهر سويسرا، بنك يعتبر عنواناً للقطاع المصرفي السويسري بأكمله، إنه بنك «كريدي سويس» الذي بات اسمه بين عشية وضحاها يتردد ممزوجاً بمشاعر الذهول وعدم التصديق بعد انخفاض مدوٍّ لسهمه بنحو 11.5 في المئة خلال جلسة، أمس، فحسب، مما وصل بخسائره منذ بداية العام إلى 55 في المئة، وسط مبيعات مذعورة تهز ثقة المستثمرين بشأن البنك وتفتح الباب أمام المزيد من المخاوف حيال انهيار محتمل.النظرة إلى «كريدي سويس» في المعتاد ليست نظرة لبنك اعتيادي، فقد كان للبنك الذي أسس عام 1856 على يد رجل الأعمال والسياسي السويسري «ألفريد إيشر»، الذي كان اسمه في الماضي معهد القروض السويسري، دور مهم في تطور سويسرا، وكان الهدف الرئيسي للبنك عند تأسيسه هو تمويل تطوير شبكة السكك الحديدية ومسار التصنيع في البلاد. ومنذ ذلك الحين نما البنك وعبر سلسلة من الاندماجات والاستحواذات، أصبح أحد أكبر بنوك أوروبا وثاني أكبر بنك سويسري.
وهذه ليست المرة الأولى، التي يعانيها البنك بأكمله من متاعب، لكن المناخ المحيط بالاقتصاد الأوروبي بوجه خاص والعالمي بشكل عام بسبب رفع أسعار الفائدة والحرب الروسية الأوكرانية والتحذيرات المتكررة من ركود قادم وسط تقلبات حادة في شتى فئات الأصول فاقمت المخاوف بشأن مستقبل البنك مع اقترابه من موعد الكشف عن عملية إعادة هيكلة، وفي ظل سيناريوهات متشائمة بشأن قدرة البنك على تجاوز أزمته وصلت إلى حد توقع أنه قد يطلب مساعدة الدولة في واقعة نادرة الحدوث.وكان البنك قد تورط في سلسلة من الفضائح والقضايا تراوحت بين الاحتيال على العملاء إلى الرشوة والتعامل مع أشخاص متهمين بانتهاك حقوق الإنسان ورجال أعمال خاضعين لعقوبات دولية.وكانت الواقعة الأشهر في سلسلة الفضائح إدانته من القضاء السويسري لإخفاقه في منع عمليات غسل أموال نفذها تنظيم إجرامي بلغاري متخصص في تهريب الكوكايين في أول محاكمة جنائية في البلاد لواحد من بنوكها الكبرى. وأصبح البنك الذي يدير أصولاً بقرابة 1.6 تريليون فرنك، ويوظف ما يزيد على 50 ألف موظف في دائرة الضوء أيضاً بعد سلسلة من الخسائر التي تكبدها على مدار الفترة الماضية، بلغت نحو أربعة مليارات دولار على مدى الأرباع الثلاثة السابقة فقط، بينما ارتفعت تكاليف تمويله بعد خفض تصنيفه الائتماني.ليس هذا فحسب، بل إن البنك عانى إخفاقات كبيرة في مجال إدارة المخاطر وتغييرات في الإدارة العليا. وكان البنك قد اضطر إلى جمع رأسمال ووقف عمليات إعادة شراء أسهمه وخفض توزيعاته النقدية وأجرى عمليات تغيير واسعة في إدارته بعد أن خسر ما يزيد على خمسة مليارات دولار بسبب انهيار صندوق «أركيجوس» الشهير في مارس 2021، حين تأثرت خدمات البنك أيضاً بسبب انهيار شركة التمويل «جرينسيل».
تغييرات في الإدارة
في الوقت ذاته، كانت فضيحة تجسس على رئيس الوحدة السابقة لإدارة الثروات في البنك باستخدام مكاتب تحقيق خاصة بعد أن انتقل إلى منافسه «يو بي إس» أجبرت رئيس البنك التنفيذي «تيجاني تيام» على الاستقالة عام 2020، وقالت وقتها جهات الرقابة المالية السويسرية إن البنك ضللها بشأن حجم عمليات المراقبة.وحتى بعد أن تولى «توماس جوتستين» منصب الرئيس التنفيذي، فإنه رحل عن البنك في يوليو الماضي، حين اختار البنك الخبير المخضرم في عمليات إعادة الهيكلة أورليش كورنر لإنقاذه والذي أطلق ثاني عملية مراجعة استراتيجية في غضون عام للتركيز على نشاط إدارة الثروات الأشهر لدى البنك وتقليص الخدمات المصرفية الاستثمارية.وحتى رؤساء مجلس إدارة المجموعة لم يكونوا بمنأى عن التغييرات العنيفة التي ضربت البنك، إذ تولى أكسيل ليمان منصبه في يناير خلفاً لـ «أنطونيو هورتا أوساريو» الذي استقال بعد تسعة أشهر فقط من توليه المنصب بسبب انتهاكه لقواعد الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا بعد أن حضر مباراة للتنس دون اتباع قواعد الحجر الصحي في بريطانيا.وكان «أورس رونر»، رئيس مجلس الإدارة الذي سبق «أوساريو»، قال عندما ترك منصبه في 2021 إن البنك خيب آمال العملاء والمساهمين، وليس للمرة الأولى.