فرقان البيان في قراءة مخرجات انتخابات البرلمان

هدأت العاصفة ووضعت حرب الحملات الانتخابية أوزارها، وبدأت حفلات الاستقبال و«صقال الطيران» من بعد التهاني والتبريكات، وليالي نوم مزعج من بعد تناول القوازي والشاورما في مقار مرشحي البرلمان الذين أصبحوا ممثلين عن الأمة، وبعضهم عاد ليمثل على الأمة كذلك، فهذا هو ديدن الحياة البرلمانية في الكويت، وما أصبحنا نعتاده، إلا أن هذه المرة وفي هذا السياق وجب التوقف عند مخرجات الانتخابات وقراءتها قراءة متمعنة لفهم المشهد السياسي الكويتي بصورة كاملة وتامة.

بداية وفي المجمل، استجاب الشعب الكويتي العظيم الى الخطاب السامي لسمو الأمير الذي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد (حفظهما الله تعالى)، وقد أحسن الاختيار. نعم، أحسن الشعب الكويتي الاختيار رغم كل المثالب والمساوئ والنواقص في النظام الانتخابي الحالي، وانتخب الشعب غالبية نعتقد ونتوسم بها كل خير، بل نأمل أن يكونوا خير من يمثل دوائرنا الخمس ويحافظوا على كل مكتسباتنا الدستورية.

فقد أكرم الشعب وتحديداً أبناء دائرتي (الثالثة) رئيس المجلس الأسبق والملقب بالرئيس الشرعي (أحمد السعدون) برقم قياسي مستحق، بل تهافت الجميع بعيد ذلك لإعلان موقفهم من تصويت الرئاسة إذا ما انتهت المسألة بالتزكية، وهنا تأتي المفارقة الحقيقية بين آخر مجلسين، فقد كان جميع من صوت لرئيس برلمان 2020 يخشون مواجهة الجماهير ويخفون تصويتهم، في حين أن إعلان موقف التصويت للسعدون أصبح بمنزلة صك غفران لدخول قاعة عبدالله السالم برأس مرفوع، وما بين هذا وذاك يستنتج القارئ المفارقة.

عموماً، لو لم يكن للسعدون أي عمل غير توحيد جبهة تصويت الرئاسة والإجماع عليه لكفّى ووفى وأنهى أزمة كانت تلوح في الأفق، لكننا نعلم ونثق أنه وبحكمته سيعيد للمشهد التوازن والثقة والهدوء الذي نأمل أن يصل بالسلطتين الى بر التفاهم والأمان لمصلحة الوطن والمواطن، كما أوصل الشعب رسالة واضحة المعالم مفادها أنه لا ينسى من خذله وأن رد الشعب من خلال الصناديق لهو رد قاس على كل من تخاذل معه، فنجد أن الشعب حقاً مصدر السلطات ومن خلال دوائره الخمس قد أعاد وبكل ثقة وبأرقام مستحقة كتلة الخمس وعلى رأسها المضفان (مهلهل وعبدالله) ود. بدر الملا، كما أوصل في الثانية الشاب الطموح الذي يتسق طرحه مع الكتلة ذاتها صاحب الإرث الرياضي شعيب شعبان من خلال الدائرة الثانية ليشكل بهذا لدى المراقبين نظرة واضحة أن الشارع الكويتي أصبح متعطشاً وتواقاً إلى الآراء الفنية السياسية والمراقبة والتشريع على أصولها المعتادة، والتي يمتاز بها أصحاب الكتلة المشار إليها.

ومن جهة أخرى نجد أن (نواب المنصة) كافة قد عادوا من خلال الصناديق وبرأس مرفوع، كذلك إكراماً لمواقفهم السابقة، وهي أيضاً إشارة للمراقب المنصف أن الشارع الكويتي لا ينسى المواقف السياسية الصلبة، تحديداً أحداث المنصة والاعتصام الأخير داخل المجلس والدواوين.

عموماً، إن هناك بعض الأسماء البارزة التي سقطت والتي كنا نتمنى سقوطها، وهناك بعض الأسماء كنا حقاً متمنين رؤيتها بالمجلس، فنسأل الله أن يجعل في هذه التوليفة التوافق والتناغم المطلوب لإنجاز قوانين وتشريعات (وتعديلات) لطالما انتظرها الشعب الكويتي، وعليه، ومع وجود عدد من النواب تشكل أغلبية مريحة نستطيع أن نطلق عليها لقب أغلبية إصلاحية، فالآمال والتطلعات كبيرة الآن.

ومن الجانب الآخر، فهذا يضع مسؤولية جسيمة ومضاعفة على رئيس الحكومة القادم في إيجاد «توليفة» من فريق حكومي على قدر المسؤولية سيكون مشكلاً من رجالات دولة تنهض بالاقتصاد وتمكن العلم والعلماء وترفع جودة كل نواحي الحياة المختلفة مع الوضع في الاعتبار أن إعادة توزير وجوه من عهود سابقة لهو مشروع تأزيم قادم مهما كانت النظرة الشعبوية لهذه المسألة، خصوصاً أن النفس العام في البلاد أصبح مختلفاً وذا ألوان فاتحة مشرقة تنم عن التفاؤل في أعين الشعب.

الفترة المقبلة هي فترة يجب أن تتسم بالهدوء والعقلانية، وعلى المجلس والحكومة مسؤولية جسيمة في الإنجاز أمام رقابة الشعب الذي أصبح أكثر وعياً و«مفتح باللبن» مطالباً السلطتين بإنجازات ملموسة أولها برنامج عمل حكومي (حقيقي) قابل للقياس والتطبيق ورقابة صارمة مع تشريعات مأمولة من جانب المجلس.

على الهامش:

دخلت المرأة بذراعها للبرلمان ومن خلال صناديق الاقتراع، وانتزعت مقعدين نأمل أن يكون على يد النائبتين الصلاح والتعاون مع زملائهما في قادم الأيام، مع العلم أن المراقب يعلم أن إحداهما كانت في مناصب حكومية متعددة منها منصب وزاري، والأخرى ذات نفس نيوليبرالي، إلا أننا سنحكم على أعمالهما في القادم من الأيام.

هامش أخير:

وصول مرشحين سجينين على قضايا فرعيات وتشاوريات مع تباين في مواقفهما القانونية، ليس بالمؤشر الجيد، وأكرر بأن من اخترق القانون وتحت أي ذريعة استحالة أن يطبقه ويذود عنه وعن الدستور الذي سيقسم عليه.

● د. سلطان ماجد السالم