الأحداث الدموية المصاحبة «للتمرد الاجتماعي» من الفئة الشبابية من الجنسين في الجمهورية الإسلامية تستحق التأمل العميق، حيث يبدو جليا فشل النظام الإيراني في تحقيق الديموقراطية الإسلامية كما يسميها، وكما يبدو إخفاقه في استمرارية التعبئة الإعلامية من خلال تكرار ممجوج لشعاراته الثورية خلال عدة عقود دون الالتفات للتغيرات الجذرية في بنية المجتمع الإيراني خصوصاً فئة الشباب، التغيرات الفكرية والثقافية والمعرفية التي يطالب الشباب بمعايشتها وتجربتها، مفارقاً الجيل السابق في تجربته الثورية ضد دكتاتورية الشاه، وخوض حرب الثماني سنوات ضد العراق، مستظلا بالشعارات الأيديولوجية مؤمناً بولاية الفقيه غارقاً في التفسيرات الدينية الفاقدة للصلاحية.هذا الجيل الفتي الذي يواجه آلة القمع البوليسي بإرادة وإيمان بحقه في ممارسة حريته بمفهومه الخاص كما يراها، لا كما تراها السلطة الدينية التي تخلت عن أهم المبادئ الإنسانية والقانونية لقادتها، قال الراحل الإمام الخميني «إن حرية الفرد أهم جزء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، ويذكر الرئيس الأسبق محمد خاتمي: إن أكثر الأنظمة استقراراً واستمرارية تلك التي تضع القليل من القيود على حرية التعبير، في حين القوى الأمنية حالياً تقمع حرية التعبير والتظاهر بالذخيرة الحية بأوامر من يدّعون التدين والتحضر.
على القادة الإيرانيين التخلي عن الغطرسة والاستماع إلى المطالب الشعبية بمحاسبة قتلة «مهسا أميني»، وهم بحاجة لمن يذكرهم أن القوى الأمنية في عهد الشاه لم تستطع الاستمرار في مواجهة فورة الغضب الشعبي رغم إمكانات «السافاك» وبطشه آنذاك. نزول الشباب للشارع متظاهرين له رمزيته ودلالاته، وقص الفتيات شعورهن ونزع الحجاب مظهر لتغيير اجتماعي قبل أن يكون إعلانا لتمرد سياسي، ففرض الحجاب- من سن التاسعة وحتى للعجائز- إكراه وكبت، وتدخل منكر في الحرية الشخصية، التي هي من أسس وسمات الحياة الديموقراطية التي قُرنت تعسفاً مع نظرية ولاية الفقيه.قمع السلطة للاحتجاجات الحالية لن يحل المعضلة، فموجة التغيير ستستمر في التدافع والاندفاع، وتحيّن الجمهور للفرص للتعبير عن حقوقه في فرض مفردات ثقافية تلائم وتناسب تطلعاته وأحلامه متوقعة، وإذا كان الفقهاء– أحياناً– يغيرون فتاواهم بحسب الزمان والمكان، فالأولى للساسة من القادة في إيران البدء بالاستجابة للمطالب القائمة، وإلا فالثورة ستفاجئهم يوماً ما.
اضافات
في إيران... من يسمع!!
07-10-2022