تستضيف جزيرة غوام اثنتين من أهم منشآت الجيش الأميركي في المحيط الهادئ («قاعدة أندرسن الجوية» و«قاعدة غوام البحرية»)، لذا اكتسبت هذه المنطقة أهمية غير مسبوقة لتسهيل قدرة الولايات المتحدة على استعمال قوتها العسكرية في شرق آسيا، وتحوّلت في الوقت نفسه إلى هدف محتمل للخصوم الإقليميين في حال اندلاع أي حرب، فقد كانت هذه المساحة تُعتبر غير قابلة للاستهداف من أي طرف باستثناء الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، لكنّ التقدم الحاصل في قدرات الصين وكوريا الشمالية منذ ذلك الحين زاد هشاشة الجزيرة، وهذا ما دفع الجيش الأميركي إلى الاستثمار في تطوير منشآت بديلة، أبرزها في جزيرة «ويك» حيث بدأ العمل على توسيع مهبط كبير في عام 2020، وفي شمال أستراليا حيث تشمل القواعد العسكرية وجوداً بحرياً متزايداً وقاذفات طويلة المدى، وفي الوقت نفسه، قد يسمح التركيز المستجد على تدريبات بسيطة في مهبط غوام لسلاح الجو الأميركي بالاحتفاظ بجزءٍ من قدرته على إطلاق العمليات إذا تعرّضت المنشآت للهجوم.قد لا تتطور القدرة على التصدي للمركبات الانزلاقية التي تسبق سرعة الصوت قبل مرور سنوات، لكن يسمح التقدم الحاصل في قدرات الدفاع الجوي على المدى القريب بتحسين أمن غوام ضد أي اعتداءات صاروخية تقليدية تستعمل المعدات التي تتألف منها معظم ترسانات الصين وكوريا الشمالية.
كشف الأميرال جون هيل من وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، خلال مقابلة في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس، أن التعاون الميداني قائم بين وكالته والجيش والقوات البحرية، ومن المتوقع أن يتحقق بعض التقدم على الأقل قبل عام 2026. شدد الأميرال على تخصيص الأموال للدفاع الصاروخي بموجب الميزانية التي وضعتها إدارة بايدن للسنة المالية 2023، بما في ذلك تطوير قدرات دفاعية ضد الصواريخ التي تفوق سرعة الصوت، وتكلم أيضاً عن تقاطع الجهود مع دفاعات الجيش التي تستعمل صواريخ «كروز»، مما يسمح بتعزيز التكامل بين جهود مختلف الأجهزة المعنية، وبموجب هذه الخطط، يُفترض أن تضمن الرادارات «تغطية دائمة بمعدل 360 درجة نظراً إلى التهديدات المتزايدة»، مع أن القرار المرتبط بعدد أجهزة الاعتراض والاستشعار، ومراكز القيادة والتحكم، وعناصر أخرى، لم يصدر بشكلٍ نهائي بعد.ترتكز الدفاعات الجوية في غوام راهناً على «منظومة دفاع في المناطق ذات الارتفاعات العالية الطرفية»: إنه نظام «ثاد» المؤلف من الصواريخ المضادة وطويلة المدى، وقد استُعمِل للمرة الأولى في الجزيرة خلال عهد أوباما، علماً أن البعض فكّر أيضاً بإنشاء نسخة ميدانية من نظام «إيجيس» لكن رُفِضت هذه الفكرة، فكان هذا النظام سيزوّد دفاعات غوام الصاروخية باثنين من أقوى الصواريخ الغربية أرض– جو على الإطلاق (SM-3 وSM-6)، مع أن نسخة «إيجيس» الميدانية قوبلت بالرفض أيضاً من جانب اليابان في عام 2020 بعدما أبدى البلد اهتماماً به في البداية.لاستكمال أنظمة الصواريخ البالستية المضادة وطويلة الأمد، مثل «ثاد» أو «إيجيس»، خضع نظام «القبة الحديدية» الإسرائيلي للاختبار في غوام، حيث صُمّم هذا النظام في الأصل للتصدي للمدفعيات الصاروخية، لا سيما تلك التي تستعملها الجماعات الإسلامية المتشددة في غزة، لكن يمكن استعماله أيضاً للدفاع بصواريخ «كروز» وفق بعض المصادر. رغم إلغاء الخطط باستخدام معدات «القبة الحديدية» واسعة النطاق من جانب الجيش الأميركي في عام 2021، بعد وقتٍ قصير على إخفاقاتها في إسرائيل، من المتوقع أن يشكّل نظام «الدرع الدائم للجيش»، الذي أصبح قيد التطوير اليوم، بديلاً أكثر قوة عبر استعمال مشتقات أرضية من صاروخ AIM-9X جو– جو والمُوجّه بالأشعة تحت الحمراء. لكن حتى لو حصلت جميع الخطط على الدعم المطلوب، قد تشكّل الدفاعات البرية جزءاً بسيطاً من الترسانات الصاروخية أرض– جو التي تدافع عن غوام، علماً أن المدمرات والطرادات التابعة للقوات البحرية والناشطة في الجوار والمزوّدة بنظام «إيجيس» قد تستعمل أكبر جزء منها على الأرجح.اتّضحت أهمية غوام علناً عند تصاعد الاضطرابات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في عام 2017، حين هددت بيونغ يانغ بإطلاق ضربات ضد القواعد الأميركية في الجزيرة، وفي غضون ذلك، زاد سلاح الجو الأميركي إمدادات الذخائر ونشر المزيد من القاذفات في غوام لاستعمالها إذا اندلعت الحرب، وفي هذا السياق، قال وزير الدفاع الأميركي السابق، جيمس ماتيس، إن إدارة دونالد ترامب كانت تفكر في تلك الفترة بإطلاق ضربات نووية واسعة النطاق ضد خصمها في شرق آسيا، وقد توقّع أن «تحرق هذه العملية بضعة ملايين الناس» في كوريا الشمالية، وفي ظل استمرار الحرب بين بيونغ يانغ وواشنطن عملياً، من المتوقع أن تبقى غوام نقطة محورية لأي اشتباك عسكري محتمل، نظراً إلى تأثيرها بقدرة الولايات المتحدة على شن الحرب في أنحاء المحيط على شبه الجزيرة الكورية وضرب الأهداف في المنطقة.في عام 2013، ورداً على تطوير صاروخ «هواسونغ10»، نشرت إدارة باراك أوباما أنظمة «ثاد» في غوام كتدبير احتياطي ضد ضربات كوريا الشمالية، وبعد إطلاق حرب سيبرانية أبطأت على الأرجح تطوير أول صاروخ كوري شمالي، «غوام كيلر»، لكنها فشلت في وقفه، فكرت إدارة أوباما جدّياً بإطلاق هجوم على البلد في عام 2016، وفي هذه الظروف، كانت تقوية الدفاعات في غوام ستصبح أساسية لصدّ ضربات كوريا الشمالية الانتقامية، علماً أن البلد كان يعجز في تلك الفترة عن ضرب أهداف استراتيجية في الأراضي الأميركية (لم يثبت قدرته على إطلاق عمليات مماثلة قبل عام 2017).مثلما كانت أوكيناوا ضرورية لتعزيز قدرة الولايات المتحدة على خوض حرب فيتنام، ومثلما كان بر اليابان الرئيسي أساسياً لدعم جهود الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في كوريا بين العامين 1950 و1953، تزداد أهمية منشآت غوام ودورها في اتخاذ خطوات حاسمة لتقييم قدرة الولايات المتحدة على شن حرب ناجحة في بحر الصين الجنوبي أو الشرقي. في عام 1965، أعلن قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ، الأميرال أوليسيس س. غرانت شارب: «لولا أوكيناوا، ما كنا لنتمكن من متابعة حرب فيتنام»، وينطبق المبدأ نفسه على غوام لخوض الحروب الأميركية المحتملة في القرن الحادي والعشرين.من المتوقع أن يتابع الجيش الأميركي سعيه إلى تقوية دفاعات غوام الصاروخية، تزامناً مع نشر المعدات على نطاق أوسع لتخفيف الاتكال المفرط على الجزيرة، وفي الوقت نفسه، ستتابع الصين وكوريا الشمالية تقوية معداتها في أسرع وقت لضرب تلك الدفاعات، فقد كان البلدان يفتقران إلى هذه القدرات خلال الحرب الكورية، علماً أن القواعد الأميركية في اليابان كانت بعيدة حينها عن نطاق الرد الذي تتمتع به راهناً، لذا تزداد أهمية القدرة على ضرب قواعد القاذفات الأميركية ومعاقلها اللوجستية الأساسية أكثر من أي وقت مضى اليوم.
دوليات
ما أهمية تحديث الدفاع الصاروخي في «غوام»؟
07-10-2022